|
ثقافة عيناه نجمتان بكيته بلهفة..بكى معي المكان الحي, المزرعة, والأم دمشق , والطفل الذي تحارب مع الشيخوخة واحزان العمر, والكوابيس محمد الماغوط.. هاجس الحبر عنده كرغبة متوغلة في النفس, ظل متمسكاً به من رأسه حتى آخر رعشة الحلم.. محمد الماغوط صاحب امبراطورية الكوابيس المتصالحة مع التمرد, يغادر هذه المرة من غير حبر واوراق بيضاء, وخشية تستقر, او تشاغب في العقل والانامل.. سنمر طويلا الى جوار بابه الخشبي وبحة صوته المرمية على قارعة الايام والمفارقات.. محمد الماغوط بنى مملكة ضخمة مترامية من الصدامات الفريدة من نوعها مع الزيف والخيبة ولم تترهل عفوية هذا الطائر العابث بالزرقة والآفاق. قدر المحبة ان تصدعها الوداعات العاتية كرياح عتب من جهات التوق وجغرافيا الهواجس المتمرسة بالانسانية والوجع. لا تنفصل المحبة عن الوداع والوجع.. منذ احزان وخيبات ومحمد الماغوط يصافحنا, والى جواره يجلس التعب وهم التواصل مع احداثيات الحياة وتفاصيل العيش والغائبين والحاضرين. والحبر بقي كواحد من اصدقاء قليلين لم ينس ملامحهم واقسماتهم. بيته, شبابيكه, اللهفة الطفلة للأصدقاء والمعفرين بشحوب الفقد والآتين الى وجدهم. لا نمر اليوم او بعد السنين دون ان تصافحنا صورة محمد الماغوط وانامله المتورطة بالحبر والتحيات والعزف على وتر البراءة والعفوية. ظل طوال عمره يتنفس هواء الالفة رغم عراكه المرير مع الكتابة والقطيعة والوحدة الموحشة. عاش الى جوار احلامه وغيابات عجيبة ولم يفترق عن الحبر والكوابيس التي يحرسها كدمعة العين, ويحتمي بها من هجمات الأسف.. غيابه كأنه الدهشة المضافة الى نصوص غير مكتملة.. ستردد دلالاتها الامكنة التي الفت ان تلتقي بمحمد الماغوط كصديق مختلف وعاتٍ ومحترف كبير للاحزان والعزلة المبدعة. مقهى الشام وقبله مقهى ابو شفيق في الربوة يحتفظان بخشونة صوت الماغوط ونكهة تأملاته الهاربة من وجه (الروتين) والتكرار الباعث على الملل.. لم يألف ان يعيش في كل حياته عاديا او مرتبكا بترتيبات وتدابير لا تتشابه مع الطفولة والتمرد..ورحيله جاء كحياته, نصاً مغايراً للوداعات الركيكة والمركونة جانبا كحانة مهجورة. الكتابة فعل حضور في مواجهة الغيابات المرتقبة وكتابة محمد الماغوط اكثر جرأة على الاختلاف الجدير بالادهاش في كل عناوينه واوراقه, من حزن في ضوء القمر الى غرفة بملايين الجدران, الى الفرح ليس مهنتي, الى سياف الزهور, الى شرق عدن غرب الله, الى سأخون وطني, وخارج السرب. ومسرحياته وافلامه ونصوصه الاخيرة المحتفية بحضوره والمنتظرة ان تحتفي.. لمحمد الماغوط حبرٌ جريء على المفارقة والاختلاف ولغته ومفارقاته محرضة على ان يظل حاضراً ومدهشاً ومقروءاً. بيته في المزرعة سيبقى يصافح الظهيرة وحفنة من شوق لم يصب بالبرودة. |
|