تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


شهادات

ثقافة
الثلاثاء 4/4/2006
إعداد: غازي حسين العلي

رؤية جارحة.. أبعد من التشاؤم‏

إن حزن الماغوط لم يكن حزن الرومانسيين المتثائبين على جسر التنهدات, لقد كان يضع احداقه في الدم الفائر فيطفر على احداقه وهذا ما جعل كتابته تفتح ارضا غير التي فتحتها مجلة (الآداب) اوالتي ذهبت اليها مجلة (شعر) كان محمد الماغوط كائناً وحشياً (طافراً) من غابة تغرس جذورها على اجسادنا وارواحنا دون ان يعبأ او يكترث بالكلام عن البدائل بمعنى انه لا يطرح خطابات احلام كما كان يفعل شعر الآخرين, الامر الذي لفت نظر الشعراء العرب محاولين ان يجدوا في عالمه نافذة على افق مغاير.‏‏‏

وكنت عندما أجلس إلى كتاب (غرفة بملايين الجدران) أشعر برهبة غامضة لفرط المسافة التي كان يجب عليَّ ان اقطعها بعد (انشودة المطر) او (اوراق في الريح) او ( اباريق مهشمة) او (احلام الفارس القديم) لكي اصل الى الارض التي يحرثها نص الماغوط بعظام اطراف الكائن البشري.‏‏‏

‏‏‏

فإذا, كانت المسألة التي تتصل بالشكل ليست تجربته وحده بل هي تجربة جيل بأسره, جيل مسكين خدع منذ الصغر بالشعارات السياسية الفكرية البراقة ولم يكتشف انه مخدوع الا وهو يدق ابواب الشيخوخة بقضات واهنة فعلم آنذاك انه قد اضاع اجمل سنيَّ عمره هباء.‏‏‏

زكريا تامر‏‏‏

كاتب وقاص سوري‏‏‏

رجل القضايا الخاسرة‏‏‏

لقد كان محمد الماغوط دائما يظن انه رجل القضايا الخاسرة المخفقة, ولكن الوقوف مع الناس ابان محنهم لم يكن في اي من الايام قضية خاسرة, انما هو امتحان عسير للاديب ولا سيما الكتابة في وطن الطغاة أقل أماناً من النوم مع الافاعي في فراش واحد.‏‏‏

ينجح محمد الماغوط في الجمع على ارض واحدة بين الليل والنهار, بين الأمل واليأس, بين مرارة الهزائم وغضب العاجز, ليقدم صورة لما يعانيه الانسان العربي من بلاء من سياسييه ومثقفيه وجنده وشرطته واجهزة اعلامه مكثفاً ذلك البلاء الكثير الوجوه في بلاء واحد هو فقدان الحرية.‏‏‏

والحرية حتى في مملكة الحيوان تحمى بالمخالب والانياب وتهرق الدماء في سبيل الحفاظ عليها, اما في مملكة البشر فالحرية مبرر الوجود والاستمرار واذا فقدت غدت الحياة الوجه الثاني للموت.‏‏‏

ومحمد الماغوط الذي عاش اكثر من نصف قرن وعرف ما على القمة وما في الهاوية (ولا يزال حياً) يرصد في كتاباته تجربته القاسية المرة مع الحياة في الوطن العربي ولكنها دائما واخشى انها لم تتوقف عليه ابداً لان الروح الجديدة عند الماغوط هي ما ميزته بقوته ومرة واحدة عن رفاقه وهنا تكمن اهمية التجربة الشعرية للماغوط.‏‏‏

قاسم حداد‏‏‏

شاعر بحريني‏‏‏

المتمرد‏‏‏

محمد الماغوط واحد من الشعراء الاكثر اقناعاً في تمرده على اشكال الكتابة الموروثة او السائدة او المبشر بها, وقد تكون كتاباته في شعرنا العربي الحديث الدليل الاكثر تماساً على ان الشعر يتجدد ويتألق في المغامرة بعيداً عن الحدود والضوابط على انواعها, لقد كان الماغوط في طليعة المغامرة الشعرية التي اطلقت الكتابة من القيود المتبقية لهاعلى اثر انطلاق القصيدة الحديثة في منتصف القرن العشرين.‏‏‏

لقد حاول الكثيرون ان يجعلوا قصيدة النثر ظاهرة او تياراً او مدرسة,فحاولوا ان ينصبوا الماغوط او غيره رائداً (او روّاداً) في هذا المجال, الا ان الماغوط ظل حالة شديدة الفرادة في شعرنا الحديث.‏‏‏

ظل لحناً شارداً لا تستوعبه جوقات العازفين المنشدين من دعاة النثر ودعاة الوزن على السواء.‏‏‏

جودت فخر الدين‏‏‏

شاعر لبناني‏‏‏

مثل نسر في الفضاء‏‏‏

منذ ان وطأت قدماه ارصفة بيروت في منتصف الخمسينيات متأبطاً قصيدته الطويلة (القتل) التي كتبها خلف قضبان السجن, احدث اسم محمد الماغوط بلبلة في المشهد الشعري العربي, ليس بين صفوف شعراء التفعيلة فحسب بل داخل صفوف جماعة الحداثة انفسهم, اذ كانت مجلة (شعر) تعد نفسها حاملة مشروع الحداثة وقصيدة النثر على وجه الخصوص.‏‏‏

هكذا داخل الماغوط غاضبا ومتمردا على كل انواع القيود, ليس القوافي والاوزان فحسب, بل قيود الحياة نفسها, هذه الحياة التي لفظته باكراً خارج جدرانها ليجد نفسه صديق الارصفة الازلي وامير التسكع.‏‏‏

واذا كانت جماعة (شعر) عدته مجرد بدوي سوف ينشد بضعة مواويل ويمضي, فإنها اخطأت الحساب, ذلك ان محمد الماغوط لم يكف عن الحداء والسخط ابدا متجاهلا كل الاطر التي كانت تتحكم بمشروع الحداثة, اذ لم يكن لديه (مانفيست) سوى ابجدية الجوع والصراخ والحزن.‏‏‏

هكذا جاءت مجموعته الشعرية الاولى (حزن في ضوء القمر) بمنزله بيان تطبيقي عما يريد التصريح به, رافعاً راية الحرية منهجاً لكل ما يكتب.‏‏‏

وحين احس بأن باب مجلة (شعر) ضيق على منكبيه, هجر رفاق الدرب دون عودة او ندم عائداً الى ارصفته ومقاهيه وعتباته الاولى ليحلق مثل نسر في الفضاء ثم يلتقط طرائده من حطام الحياة اليومية ومن دماره الروحي ومن حزنه التاريخي الذي لم ينضب ابداً.‏‏‏

وهو بعد نصف قرن من الاحتجاج والسخط لم يغادر خندقه الاول, اذ ظل متمرساً بأدواته نفسها وبمعجمه الهجائي وبنبرته نفسها ولم تغيره الشهرة ولا الاستقرار لا بل ازداد ضراوة وضجراً وكأنه لم يغادر غرفته القديمة التي شهدت آلامه واوجاعه الاولى, تلك الغرفة الصماء (غرفة بملايين الجدران) وكأنه لم يغادر ايام التشرد والتسكع والخواء, ما زال يردد (اختصاصي الوحيد الحرية) و (الفرح ليس مهنتي).‏‏‏

خليل صويلح‏‏‏

روائي وصحفي سوري‏‏‏

اللغة المشتعلة‏‏‏

قد يكون محمد الماغوط واحداً من اكبر الاثرياء في عصرنا, ارثه مملكة مترامية, حدودها الكوابيس..والحزن..الخوف..واللهفة الطاعنة بالحرمان, وشمسها طفلة نبيلة وشرسة.‏‏‏

عاش الماغوط مع الكوابيس حتى صار سيد كوابيسه واحزانه, وصار الخوف في لغته نقمة على الفساد والبؤس الانساني بكل معانيه واشكاله..لغته مشتعلة دائما, تمسك بقارئها, تسلعه كلماتها كألسنه النيران, ترجه بقوة, فيقف قارئ الماغوط امام ذاته ناقدا باكيا ضاحكا مسكونا بالقلق والاسئلة.‏‏‏

في قصائده ومقالاته ومسرحياته وافلامه, قدم محمد الماغوط نفسه عازفاً منفرداً, وطائراً خارج السرب, لا يستعير لغته من احد, ولا يشبه الا نفسه: في انتمائه ..وعشقه..وعلاقته بالناس والأمكنة.‏‏‏

وفيّ لعذاباته, قوي الحدس, شجاع في اختراق حصار الخوف واعين الرقباء منحازاً الى الحرية والجمال والعدل, وله طقسه النادر في حب الوطن..ورسم صور عشقه له التي تقدمه مغايراً للمألوف في قيمه وعواطفه وانكساراته واحلامه.‏‏‏

علي عبد الكريم‏‏‏

شاعر سوري‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية