|
ملحق الثقافي
ولد عام1873 في بيروت، في أسرة معروفة، تهوى الأدب والشعر والفن، وتلقى دراسته في مدرسة الثلاثة الأقمار» الأرثوذكسية، و كان من أساتذته فيها المعلم« نعمة يافث» الذي غرس في نفسه حب الشعروالأدب، فأهداه ديوانه الأول« رفيف الأقحوان» قائلاً:« الى روح معلمي نعمة الذي قاد خطواتي الأولى في حياة الفكر والعمل،وكان له أول إنشادي». عمل بعد تخرجه من المدرسة في التجارة مدة سنتين، ثم ترك التجارة،ودخل كلية الطب الفرنسية في بيروت عام 1899، ولما أنهى دراسة الطب عمل في مستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس في بيروت، الى أن سافر عام 1906 الى باريس للتخصص في الطب، فأمضى فيها خمس سنوات،عاد بعدها الى مصر، حيث أمضى عشرين عاماً تقريباً، متنقلاً بين الإسكندرية والقاهرة،و أسهم بالحركة الأدبية فيهما بشكل واسع. في عام 1930 عاد الى بيروت، وخَلَف أخاه الراحل الياس فياض في مقعده بمجلس النواب اللبناني، ثم عُين مديراً لمؤسسة البريد والبرق والهاتف مدة أربع سنوات، وبعد ذلك اعتزل الوظائف، وآثر الانصراف كلياً الى ممارسة الطب والكتابة والترجمة ونظم الشعر، والاجتماع برفاق حلقته الأدبية المؤلفة من الأدباء والشعراء: بشاره الخوري (الأخطل الصغير) وجرجي سعد، وطانيوس عبده،وبيترو باولي، واسكندر العازار،وقسطنطين يني، وجرجي نقولا باز، وجرجي شاهين عطية، ومصطفى الغلاييني، والياس فياض، وأديب مظهر، ووديع عقل، وأمين تقي الدين، وتامر وشبلي الملاط، وموسى نمّور، والياس أبو شبكة، وصلاح لبكي..الى أن وافته المنية عام 1958 وهوفي الخامسة والثمانين. آثاره الأدبية 1- الآثار المؤلفة: خواطر في الصحة والأدب 1927-الخطابة 1930- على المنبر ( الجزء الاول) 1938- كيف تغلب الانسان على المرض1646-كيف تغلب الإنسان على الألم 1947- دنيا وأديان 1948- رفيف الأقحوان (شعر) 0591- بعد الأصيل(شعر) 1957. 2- الآثار المترجمة: الخداع والحب (تمثيلية) لشيلر 1903-حول سرير الامبراطور لكابانيس 1926-مملكة الظلام أو حياة الأرضة لمترلنك 1927-أنتِ وأنا(شعر) لبول جيرالدي 1960. لقد ضم ديواناه« رفيف الأقحوان» و«بعد الأصيل» كل ما نظمه في حياته من قصائد، منذ عام 1901 حتى عام 1957 ،ويغلب شعر المناسبات على هذه القصائد،ولاعجب في ذلك، فقد كان من الشعراء البارزين الذين طارت شهرتهم في الخطابة وقول الشعر، و لذلك تفاوتت قصائده من حيث الجودة ، فبعضها «يتمرغ في الثرى، وبعضها يناطح السحاب» كما يقول مارون عبود(1886-1962)،وكان بامكانه الاستغناء عن بعض القصائد التي نظمها في مطلع حياته الأدبية، قبل أن تنضج شاعريته ويسمو بيانه، فجاءت مفتقرة الى عمق التجربة وصدق العاطفة. لكن هذا لايعني أن جميع قصائد ديوانيه كانت على هذا المستوى،فثمة قصائد أخرى-وهي كثيرة- بلغ فيها ذروة الفن والإبداع وسمو الخيال، كقصيدته« أنا وأنتم» التي ألقاها في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1942،في حفلة مع الأديبة النابغة مي زيادة(1886-1941) وقال فيها: ياميُّ هذه ساعةُ الميلاد فسلي فؤادَكِ عن خفوقِ فؤادي بي مابكِ وحشةٌ وصبابةٌ مابين لقيا ساعةٍ وبعادِ تمشي الى الوطنِ القديم خواطري فتردُّها الذكرى لذاكَ الوادي وأرى جلالَ سناكِ ياأفقَ الهدى فأحار بين الصمتِ والإنشادِ.. وقصيدته الحوارية «المرأة والشاعر» التي تطلب فيها المرأة منه العودة إلى الحب، بعد أن لاح ربيعه في الأفق، وبدت طلائعه في اخضرار الطبيعة، وشدو الطيور قائلة بلسانه: عُدْ للهوى فربيعهُ قد عاد والعشبُ للعشاقِ مدَّ وسادا وعلى الأرائكِ للهزارِ مواقفٌ تستعبد الأرواحَ والأجسادا فعلامَ شعركَ لايكون لها صدىً أعدمتَ نطقاً أم عدِمتَ فؤادا؟ وقصيدته « الأعمى الجائع» التي ألقاها في حفلة خيرية أقامتها جمعية «إغاثة العميان» في سينما روكسي في بيروت ،وقد صور فيها الأعمى أصدق تصوير، وشحنها بأرق العواطف الإنسانية، فالفجر في عينيه ليل مظلم،ورؤية ما حوله محرمة: الفجرُ حول سريره يتبسم والفجرُ في عينيه ليلٌ مظلمُ تمشي أشعتهُ على أهدابه فيردُّها عنه ستارٌ مُحكمُ وتنيره الأقمار كل عشية لكن منظرها عليه محرم وقصيدته «ياليل» التي قالها عام 1939 ونحا فيها منحى التجديد، فسبق جميع معاصريه الذين دعوا إلى التحرير من الأبحر الخليلية، والقوافي التي تكبّل عنق الشاعر بقيودها، كبدر شاكر السياب، ونازك الملائكة والدكتور بديع حقي وغيرهم.. يقول في هذه القصيدة: خففِ الوطءَ عليّا/ علني أفهم شيّا/ منك ياليلُ/ كلما أطلقتُ فكري/ فيك بحري/ كنت كالخابط في أمواجِ بحرِ/ تحت عمقِ/ يتلوّى مثلَ قيدٍ تحت عنقي/ وبأذني طنين، لايبين/ من هدير الشرِ/ وصراعِ القدرِ.. وقصيدته التي ألقاها في مهرجان المتنبي بدمشق، وعبر فيها عن تآخي وتلاحم القطرين الشقيقين سورية و لبنان، وحبه الجارف للشام قائلاً: لبنانُ يسكب في جفونِ الشامِ قبلاً كذوبِ الطلِّ في الأكمامِ قبلَ الشقيقِ الى الشقيقِ حملتها ومزجتُ فيها صبوتي وهيامي قالت تحب الشامَ،قلتُ وهل سوى بردى يبردُ ياشآمُ أوامي؟ الشرق شرقي أين لاحت شمسُه ودمُ العروبةِ في دمي وعظامي «لي في هوى وطني كتابٌ خالدٌ يبقى على المكتوبِ من أيامي» «سجلت نصرانيتي في متنِهِ ونشرت فوق سطورِهِ إسلامي» ولم يكتفِ بتعريب قصيدة البحيرة الخالدة، بل عرّب أيضاً قصيدة «اذكريني» لألفرد دي موسيه، بالاشتراك مع أخيه الياس فياض، وقصيدة «السيف» لسولّي برودوم،و«الزهرة والفراشة» لفكتور هيجو : زهرةٌ في الحقلِ يوماً سألت من فَرَاشِ الحقلِ معشوقاً صغيرا ما الذي يلهيكَ عني جاعلاً لك كالنجمِ اختفاءً وظهورا غائباً حيناً،وحيناً حاضراً مالئاً نفسي غياباً وحضورا أفما أنت رفيقي في الهوى أبداً أرشفك الثغرَ الطهورا عائشاً في عزلةِ الحب معي لاترى إنساً ولاتخشى شرورا.. كما عرّب ديوان «أنتِ وأنا» لبول جيرالدي شعراً موزوناً رغم اعترافه في مقدمة الديوان بصعوبة نقل الشعر بالشعر إذ «من المستحيل أن تتفق تراكيب الجمل في مختلف اللغات، والقالب الذي يختاره الكاتب أو الشاعر ليفرغ فيه معانيه، لايمكن أن يكون واحداً فيها كلها، وإذا نحن حاولنا أن نترجم مانريد ترجمته حرفياً للمحافظة على القالب ما أمكن، أسأنا إلى المؤلف من حيث لاندري وإلى أنفسنا بما نقع فيه من غرابة التعبير وركاكة الإنشاء.. فالترجمة الحرفية ليست بالطريقة المثلى لحفظ جمال الأصل، أو الوصول إلى أثرها في ذهن القارىء العربي. حسبُ المترجم أن يتفهم معاني الكاتب ويدخل في إهابه، ثم يجتهد أن يقدم للقارىء قالباً عربياً لاينفر منه ذوقه، ولا يأبه سمعه». يقول في قصيدة «بوح» وهي أولى قصائد الديوان: أحبكِ ياميّ حتى الجنونْ أحبكِ حباً يفوق الظنونْ فهل تعلمين؟ أحبكِ هذا كلامٌ معادْ وما كان يوماً يؤدي المرادْ ولكنْ أحبكِ.. كيف العمل؟ أحبكِ.. والحب غيرُ الغزلْ فهل تشعرين؟ وهل من سبيل لأن تكشفي مجاهل نفسي وأن تعرفي؟ فما في الحروفِ بيانٌ يفي أفتش، أبحث عن قافيهْ تغذي الأملْ فليس صحيحاً بأن القبلْ هي الكافيهْ.. امتاز شعر الدكتور نقولا فياض بالرقة والعفوية والميل إلى التجديد في الأوزان والقوافي، وبامتلائه بالروح الوطنية والقومية والدعوة إلى الحرية، ونبذ الطائفية البغيضة، كقوله في قصيدة «المؤتمر الوطني»: الطائفيةُ، يالها من نكبةٍ صبتْ على الفردوسِ نارَ جهنم حاربتُها دهراً بشقِ براعتي وصبغتُ أعوادَ المنابرِ من دمي وصفعتُ خديها فلم أظفر بما يشفي غليلَ الشاعرِ المتألمِ.. الدينُ، نعَمَ الدين إن يكُ حاملاً لجراحةِ الأرواحِ أزكى بلسم الدينُ تضحيةٌ وروحُ تسامحٍ وضحىً على وجهِ الزمانِ الأقتم الدينُ ليس بآلةٍ للكسبِ في يد خادمٍ للدينِ، أو متزعمِ أفدي بمالِ الأرضِ دينَ مجاهدٍ وأبيع دينَ المستغلِ بدرهم.. كان الدكتور فياض-كما وصفه الشاعر رياض المعلوف- لبقاً، أنيقاً في ملبسه وحديثه وشعره. المصادر 1- يوسف أسعد داغر- مصادر الدراسة الأدبية-مكتبة لبنان- بيروت 2000. 2- مارون عبود- دمقس وأرجوان- المطبعة البولسية- حريصا (لبنان) 1952. 3- رياض المعلوف- مجلة الأديب- العدد السابع- يوليو(تموز) 4791-السنة 33. 4- الدكتور نقولا فياض- مقدمة ديوان«أنت وأنا» لبول جيرالدي- دارعويدات -بيروت 1960. |
|