تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مهرجان الفنون في دير الزور العودة إلى الـتـراث بروح الموهبة والبحث

ملحق الثقافي
4/4/2006
بشير عاني

منذ أيام قليلة استعادت المدينة تلك الرائحة السرية للفن من المركز الثقافي الذي فتح أبوابه و على مدى أسبوع كامل، للمسرح و الموسيقى و الفولكلور الغنائي والفن التشكيلي و الكتاب،

وفيها و من خلالها رسّخت بعض الأسماء حضورها الفني بثقة، مثلما كانت فرحةً لبعض الأسماء و والوجوه الجديدة للظهور، و ربما للتألق أيضاً. شيزوفرينيا: مسرحية شارك في كتابتها الكثير لم تنته مسرحية (شيزوفرينيا) بانتهاء عرضها، فقد استمر النقاش حولها لأيام مولّداً أفكاراً و تساؤلات و مواقف لم تكن في الأذهان حتى لدى أعضاء الفرقة نفسها. فرغم أن المسرحية تحمل اسم المؤلف (حسام سفّان) إلا أن المخرج (ضرام سفّان) اعترف بأنه لم يُبق من النص الأصلي سوى جملة وحيدة محورية « كم عدد الخراف التي سال دمها من أجل الكنزة؟» أما بقية أفكار النص فقد تراكمت إثر حوارات عديدة و متقطعة مع عدد من المثقفين و الممثلين وعلى ضوئها كانت المشاهد تتبدل باستمرار إلى أن وصلت إلى شكلها النهائي الذي عُرضت عليه في دير الزور مؤخراً، وكانت من قبل قد عُرضت في المهرجان المسرحي لاتحاد الطلبة الذي أقيم في مدينة حماة حاصدةً الجائزة الأولى.‏

تداعيات المخرج هذه أثارت أحد الكتّاب (كاسر حبّاش) و (ذكّرته) بحقه في إبراز اسمه ضمن أفيشات المسرحية باعتباره أحد المساهمين في توليد أفكار النص، بل كان على (تناص) دائم مع الفرقة و في جميع مراحل عملها، سواء أكان لغة أو إعداداً مشهدياً أو بروفة أو عرضاً. المخرج اعترف بحق الحبّاش في النص، ولكن ليس إلى الحد الذي يخوّله المطالبة بإدراج اسمه، معللاً رفضه بأنه ليس الوحيد، و إن كان الأبرز، فالممثلون، إضافة إلى مثقفين آخرين، كان لهم دور إيحائي و مولّد لأفكار النص و إيصاله إلى حالته الأساسية. في الحقيقة كان هذا الحوار بين أسرة العمل و بقية المثقفين واحداً من الحوارات الشيقة تعمّدت شخصياً إثارته و دفعه إلى نهاياته لاستثماره ثقافياً كمشروع تجريبي يؤسس لمكاشفات ثقافية، لا تبرز فيها الحقوق كفائض أو حاشية عابرة، بل كمطالب شجاعة و جادة، وهذا ما أوصل المخرج أخيراً إلى الاعتراف على الأقل « في الحقيقة، الآن و بعد هذا الحوار، تنبهت إلى أن ما فعلناه كان عملاً جماعياً، ولا أدري ما هي المسافة التي علي الذهاب إليها فيما يتعلق بمسألة الحقوق، ولكنني الآن أنتبه إلى أننا دخلنا في طور تخليق حالة إبداعية جديدة، لم نتقصدها، ولكن كانت ثمينة و مفيدة . . . نعم كان النص جماعياً. .». العرض كان متماسكاً و مقنعاً إلى حد كبير أثبت فيه ضرام سفّان (المخرج) حضوره كممثل أجاد دور الطبيب النفسي، كما لفت الأنظار إلى الممثل المجتهد (محمود الحسن) لأدائه العالي، كشخصية رئيسية بدور المريض، مازجاً الموهبة مع التحصيل العلمي، كطالب يدرس اليوم الفن المسرحي. على مدار يومين قدمت فرقة الفرات الموسيقية أداءً متميزاً للأغنية الفولكلورية التراثية الفراتية استحقت عليه الثناء. ونحن بدورنا ندعو المسؤولين عن الأغنية السورية للإنصات بقلب مفتوح و ضمير حي لتراثنا الغنائي العريق و الأصيل الضارب عميقاً في جذور التاريخ.. فرقة الفرات، و بقيادة الفنان يحيى عبد الجبار، قدمت العديد من المعزوفات الفولكلورية هي على التوالي (الموليا، هلا بالورد، يما من الغالية، عالمايا، أرواح يما، عل المايا، يا خشوف، عل يغبوني، والله لابيع كدلي، حمود، خبز العباس، يا بو ردين). تميزت هذه المعزوفات بالسرعة و الجمالية و الرهافة الشجية، وكان الأداء جماعياً تخلله بعض الأداء الفردي المتناوب. اللافت كان إشراك عنصر أنثوي في الفرقة، وهو الأول من نوعه، حيث رافقت المغنية الشابة ربا دوير والدها الموسيقي جمال دوير، وكانت بحق علامة فارقة كصوت و حضور فني، وعن نفسها تحدثت المغنية ربا دوير باقتضاب: « هذه هي التجربة الأولى لي بالفرقة كأداء فردي و جماعي، كان لإشراف والدي فضل كبير في صقل موهبتي التي بدأت بالظهور مع المسلسل التلفزيوني الوثائقي (أغاني على البال) و أنا سعيدة لاستقبال الجمهور لي بهذه الطريقة». أما قائد الفرقة الفنان يحيى عبد الجبار فقد فاجأنا ببعض الخفايا الموسيقية الموجودة في تراثنا الفراتي .. ويتابع عبد الجبار: لقد قدمنا اليوم الأغنية الفولكلورية بنفس لحنها و نغمتها الأساسية، وبما ينسجم مع روح العصر.. كما قمنا بإعادة أغنيتي المايا و أبو ردين إلى لحنهما الأساسي غير تقديمها في التلفزيون منسوبين زوراً إلى بعض الأشخاص.. تراثنا الفولكلوري غني جداً، ولم نجد صعوبة في استخراج بعض رموزه و توظيفها فنياً بصياغات عصرية جديدة، ومثال على ذلك أغنيتا (خبز العباس و حمود)، وكانت الألحان لي و الكلمات للأستاذ هشام سفّان. وعن الفرقة يجيب عبد الجبار: عمر الفرقة اليوم يقارب السنتين والفرقة ثابتة للمركز الثقافي. المحافظة قدمت لنا بعض الدعم ولكن هذا غير كاف، فعلى سبيل المثال إن اللباس الذي ترتديه الفرقة كان تقدمة من مؤسسة المياه بدير الزور مشكورة. نتمنى دعم الفرقة أكثر و مساعدتنا في اكتشاف و تطوير التراث الفولكلوري للمحافظة. أعمالنا الفنية كانت مهمة رغم قلتها، فقد شاركنا في مهرجان الأغنية الفراتية عام 2005 بعد انقطاع لهذا المهرجان دام 13 سنة.. كما أقمنا حفلات شعبية في الحدائق العامة، وثلاث حفلات في المناسبات الوطنية..‏

فعاليات اليوم الأخير كانت أمسية موسيقية مشتركة بين العازفين عبيد اليوسف (عود) و محمد نوري الحمادة (بزق) لاقت استحسان الجمهور لأسباب:‏

الأول هو شجاعة هذين الشابين على الإقدام على مثل هذه التجربة الفنية أمام الجمهور رغم يفاعة عمرهما الفني و الحياتي، والثاني المغامرة بعرض كهذا أمام جمهور لم تعتد ذائقته بعد على هذا النوع من الأمسيات.. الثالث: الإقدام على إجراء حوار موسيقي بين آلتي العود و البزق، وهي، وكما قال عنها العازفان بأنها المحاولة الأولى في المحافظة لإيجاد انسجام ما بين هاتين الآلتين دون إضاعة الهوية الفنية للقطع الموسيقية المعروفة. الأمسية هذه كانت مبنية بكاملها على الارتجال مع الاحتفاظ بالخطوط العريضة للألحان الأصلية، وفيها حاول العازفان الشابان تقديم التراث الموسيقي الفراتي بأسلوب معاصر عبر تخفيفه من الإضافات التي كانت تقدم بها خلال السنوات السابقة كما هو الحال في المايا و أبو الزلف. على هامش الأمسية التقينا بالموسيقار محمود إسماعيل و سألناه رأيه في هذه التجربة فأجاب: أشكر هذين الشابين على جهودهما، فقد دخلا مدخلاً أتمنى أن يستمرا فيه. عزفهما جيد و ريشتهما جيدة، أما عملياً، وما داموا قد مزجوا بين أكثر من آلة موسيقية فالمطلوب أن تتوفر لديهم خبرة التوزيع الموسيقي الذي يتحقق من خلال الإلمام بعلم الهارموني .. اندفاعهما جيد ومبشر و لكن لا غنى عن الدراسة الموسيقية.. أخيراً أقول كلمة قالها بتهوڤن يوماً و كررها لنا أساتذتنا دائماً: الموسيقا علم بنسبة 09% و موهبة و ممارسة و استعداد بنسبة 10%. بمعنى آخر: الموسيقا اليوم ليست قضية فن فقط، بل هي علم بالدرجة الأولى، وهذا ما جعل بعض القطع الموسيقية ترتقي إلى المستوى العالمي. بقي أخيراً القول بأن الأسبوع الثقافي للفنون لم يفته أن يطعّم أيامه بما هو لازم وكافٍ لأي مهرجان، وأعني الكتاب الذي لم يغب عن المهرجان، حيث شاركت دار الزمان بمعرض للكتاب طوال أيام المهرجان، وكان الإقبال عليه لافتاً و ناسخاً الرائج الذي يقول بأن زمن الكتاب قد انتهى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية