تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأرقــــــش والغجــــرية

ملحق الثقافي
4/4/2006
حنا مينة

انتبهي إلي يا قمطرة فكري قبل أن تجيبي ولكن عندما تجيبين لا تحاولي أن تكوني ماء في غربال، هذا لا يفيدك في شيء سوى تعطيل عمل المحكمة والمحكمة لديها قضايا كثيرة عليها أن تنجزها فهل تعدينني بأن تكون أجوبتك مختصرة، وصادقة ومباشرة؟ قالت قمطرة:

وعد الحر دين، وأنا حرة ووعدي دين علي والمثل يقول: ( نحن وعدنا وما خلفنا بوعدنا) أنا قمطرة وأنت تعرفين من هي قمطرة، لا أعد وأخلف، لكنني لا أشتري سمكا في البحر ولكن ما هو السؤال أولا؟ وبماذا تفكرين ثانيا؟ ومع من كنت وقت رفع الجلسة؟ الأرقش: ياجناب المدعية العامة، داهية، هكذا يحسب نفسه غير أن دهائي يغلب دهاءه و.... دق رئيس المحكمة بمطرقته دقات قوية عديدة وقاطع قمطرة قائلا: العمى. ردت قمطرة: العمي يعميك يعميني؟ لا بأس، اعتذر، ولكن احذري هنا لا مجال للمحاضرات ولا للعب على الحبال، تأدبي وإلا طردت إلى خارج المحكمة. أنت تطردني من المحكمة؟ تطرد المحكمة من المحكمة؟ أنا هي المحكمة وكل الأسرار في صدري لذلك لا تستطيع أن تستغني عني وإلا كما يقولون ( على نفسها جنت براقش). قالت دندنة: خارج المحكمة ستعرفين من أنا يا قمطرة، هذا الشحم الذي في جسمك ورم والمتنبي قال: اعيذها نظرات منك صادقة أنت تحسب الشحم فيمن شحمه ورم). ردت قمطرة: المتنبي لعلمك كان يخاطب سيف الدولة فهل أنت سيف الدولة؟ قالت دندنة: لا أنا سيف الدولة، ولا أنت المتنبي.... سؤالي هو: ماذا بشأن حرف الراء بعد أن انتهينا من حرف النون؟ ولماذا أنت آنسة بعد أن تزوجت حسب الشرع وذهبت مع صقرش هذا لقضاء شهر العسل؟ قولي يوم العسل وليته كان، هذا الفيل صقرش، استعمل حرف الراء معي، فرفسته وخلصته بندقيته فسحبت مشط الرصاص منها وأعدتها إليه حطبة لا تضر ولا تنفعٌ. وماذا بشأن حرف الراء؟ المسألة وما فيها معيبة لذلك اعتذر عن ذكرها. أنت قلت لاعيب في الحلال وكان زواجك من صقرش شرعيا وحلالا، فماذا جرى؟ قال محامي الدفاع: الموكلة اعتذرت عن الجواب وإنني أطلب من عدالة المحكمة أن تقبل اعتذارها تجنبا للفضائح. تداولت المحكمة فيما بينها، وقال رئيسها: الاعتذار مرفوض، وليست هناك فضائح مادام كل شيء جرى بعد الزواج الشرعي. قال المحامي: لكن الدخلة لم تتم، والموكلة آنسة... قاطعه رئيس المحكمة: والادعاء العام يريد معرفة لماذا هي آنسة؟ الشذوذ سيدي والموكلة تخجل من الاعتراف بأن زوجها شاذ وتأبى الدخول في التفاصيل. صاحت قمطرة بالمحامي: شاذ؟! عن أي شذوذ تتكلم أنت؟ تقول إنك لا تريد إثارة الفضائح، وها أنت تتكلم عن الشذوذ وهو فضيحة الفضائح! سألت دندنة الزوج صقرش: هل أنت شاذ يا صقرش؟ ناح صقرش وقال: أنا لا أفهم عن أي شيء تتحدثون؟ عن الشذوذ! وكيف يكون الشذوذ؟ صاح صوت من بين الحاضرين: تعالت القهقهات من الحاضرين، ثار لغط بينهم، حدثت ضجة، سارع رئيس المحكمة إلى وقفها وهو يدق بمطرقته دقا عنيفا مغالبا ضحكا راوده، فامتنع بصعوبة عليه. قالت دندنة: ألفت نظر الدفاع إلى حراجة الموقف وآمل أن يكتفي بما سأل! قال محامي الدفاع: كيف اكتفي بما سألت وموكلتي آنسة حتى بعد الزواج؟ الزواج شيء والدخلة شيء آخر. وأنا أسأل صقرش، هل تمت الدخلة أم لم تتم؟ قال صقرش: أقسم أنها لم تتم! لماذا؟ قال رئيس المحكمة: السؤال مرفوض، لم تتم الدخلة بسبب حرف الراء، وعلينا أن نسأل: ماذا يعني حرف الراء؟ وهذا وحده يكفي.. لماذا يا قمطرة، لم تتم الدخلة؟ وماذا يعني حرف الراء اللعين هذا؟ قالت قمطرة: أخجل أن أقول! أعوذ برب الفلق من شر ما خلق..... تعوذ كما شئت، لكني أخجل أن أقول! وأنت ياصقرش، قل لنا ماذا يعني حرف الراء؟ أخاف من قمطرة سيدي؟ أنت رجل، هل يخاف الرجل من امرأة؟ تعالت الأصوات: الرجل لا يخاف إلا من امرأة، وسل نفسك سيدنا القاضي! قالت دندنة: مادام صقرش، وهو رجل يخاف من قمطرة وهي امرأة لم يبق علينا إلا توجيه السؤال إلى امرأة: ماذا يعني حرف الراء ياقمطرة؟ وأين العصا؟ لماذا خلقت العصا؟ المثل يقول: (اقطع رأس القط من ليلة الدخلة) أنت حمار ياصقرش! صدقتم! وصدق من قال: هناك رجال، وهناك أشباه الرجال، أنت يا صقرش، شبه رجل! صدقتم أيضا! نحن صادقون دون شهادة خرع مثلك. قال صياد من بين الحاضرين: اللعنة على صقرش هذا، وعلى قمطرة وحرف النون والراء، هل نحن في محكمة أم تاترو. جاء صوت من ورائه: ثياترو يافهيم! بلوط ياصاحبي، المهم أن نتسلى! وهل هذا زمن التسليات؟ أنت قلتها، هذا زمن التسليات، ألا يكفي أنهم حرمونا من اللقمة، فهل تريد أن يمنعونا من الضحكة أيضا؟ الجائع لا يضحك ونحن جياع! الجائع هو الذي يضحك من الذين جوعوه، أم تريدنا أن نبكي؟ لا! لن نبكي، لن نيأس حتى لا نقع في فخ اليأس الذي نصبوه لنا! وبماذا يفيد الضحك؟ في قهر الذين يرغبون في قهرنا، وهذا وحده يكفي....... أنا سجنت في زماني، وبكيت في السجن لأني تركت عائلتي بغير معيل، فماذا كانت النتيجة؟ أكل هواء لأن سجينا سياسيا جاء إلي وقال: ( احلق شواربك لأنك أجبن من امرأة، مع احترامي للمرأة، فالذين سجنوك يسرهم أن تبكي بدل أن تضحك، وماذا يفيد البكاء سوى في زيادة القهر، وسوى في عد أيام السجن؟ من يعد أيام السجن يموت كمدا لأنه يراها طويلة جدا وهي ليست كذلك بالنسبة لمن لا يعدها، لمن ينساها، لمن يضحك متشفيا من السجن والسجانين ومن يقف وراءهم.... خذ دخن هذه السيكارة.... دخنتها، وجدتها شهية، لذيذة، قلت للرجل: ( أنت على حق!) أجابني: (طبعا على حق. هل سمعت بالذين في الروسيا أرادوا اغتيال القيصر الظالم؟ لا ؟ لا بأس، هؤلاء حكموا بالنفي إلى سيبيريا مع المؤبد والأشغال الشاقة، لكنهم وهم وراء القضبان كانوا يضحكون من القياصرة، وقد ذهب القياصرة وبقوا هم أحياء.... هل فهمت؟ ما هو ذنبك؟ أجبته: ضربت الآغا الذي اعتاد أن يضربني) قال: أحسنت بعد اليوم لن يتجرأ الآغا على ضربك، وكان ماقاله صحيحا. صاح رئيس المحكمة: من هم هؤلاء الذين يتكلمون بصوت عال، ويشوشون على المحكمة؟ سكت الجميع، لا لأنهم خافوا، بل لأنهم احترموا وبعد لحظة قال واحد منهم: من الضروري أن نصغي إلى ما يجري. فرد عليه آخر: وماذا يجري؟ وهل هذه محكمة؟ ومن من أعضاء هذه المحكمة تخرج من كلية الحقوق؟ قال الأول: في مثل هذه المحاكمات لا ضرورة إلى حيازة شهادة الحقوق، الحق بين والباطل بين، وتبقى المسألة أن تكون الأحكام عادلة ونزيهة، وأنا لا أشك في ذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية