|
ملحق الثقافي
وبالتالي يدخل في محاولة التخلص من مقولة الاطار الاسلوبي الذي غالباً ما يكلس الرؤية الفنية في تحديدات الاشكال ومعالجات اللون والصورة التشكيلية العامة. هذا التنوع يبحث عنه جورج في مجموعة واسعة من لوحاته التي قدمها منذ مطلع الثمانينات ، واضفى عليها انفعالية مباشرة، من خلال الخطوط والالوان، بل من خلال الانتقال من المعالجة اللونية الشاعرية الى المعالجة الغنائية التي تعتمد على تكثيف طبقة اللون داخل المدى الذي تراه العين في اطار اللوحة. وبتعامله هذا في اضفاء اللمسة اللونية الغنائية يقترب من التجريدية ،وتتحول اللوحة الى مجرد اطياف لونية، تنطلق من هاجس كسر تصويرية الشكل الواقعي وتعزيز الانفعال الوجداني.
واذا كان في بعض لوحاته ينحاز نحو الصياغة التجريدية،ويدخل في اللعبة اللونية التعبيرية الانفعالية والغنائية ، فهو في لوحات اخرى يعلن رغبته في العودة الى الواقع الذي يجسده احياناً من خلال اختصار عناصره ومفرداته الانسانية والطبيعية والحيوانية..وهو غالباً ما يدمج بين الاجواء التعبيرية والتجريدية والرمزية من خلال استحضار المزيد من الاشارات والعناصر التاريخية، بما فيه من تداعيات ميثولوجية واسطورية مقروءة في العديد من المكتشفات الاثرية القادمة من فسحات الازمنة الغابرة في فجر التاريخ. وهذا يعني أن اللوحات التي قدمها جورج ميرو في تجربته الفنية الطويلة تبدو آتية من التراث الحضاري، ومن عصور غابرة، رغم انها تعتمد على تقنيات لونية جديدة تجمع بين المدارس والاتجاهات والتيارات التي سادت الفنون العالمية في مرحلة ما بعد اطلاق المفاهيم الجمالية الحديثة التي غيرت مفهوم الفن الاوروبي وقلبته رأساً على عقب في مرحلة مابعد اطلاق الموجة التكعيبية على يدي بيكاسو وبراك. وفي تجربة جورج ميرو ملامح قليلة من تجليات النزعة التشكيلية التكعيبية،حيث يجنح في بعض لوحاته نحو ايجاد المزيد من التوافق بين الايقاعات الهندسية التي تبرز جمالية تداخل المسطحات اللونية والزوايا والخطوط المستقيمة وحركة الدوائر وانصاف الدوائر، لذا تظهر الوجوه وعناصر الطبيعة الصامتة هنا بطريقة مختلفة عما شاهدناه في بقية اللوحات. وهذا التنوع التقني والاسلوبي يساهم - على حد قول جورج- في بلورة الاتجاهات التشكيلية التي يبحث عنها بشكل يومي ومتواصل ويؤدي الى نوع من تحقيق العنصر الذاتي في خطوات ايجاد الركائز والمنطلقات والهواجس الفنية. وهو الى جانب الهموم الفنية التشكيلية والتقنية التي يعيشها، يطرح اللوحة الملتزمة بقضية الانسان وبواقع الامكنة المصابة بلعنة الحروب التي لاتنتهي. فالصوّر الملصقة على ارضية بعض لوحاته بطريقة الكولاج تبدو مشرعة على الاحاسيس الانسانية المتوترة القادمة من معايشة فصول الرعب والعنف والالم والدمار الشامل. لذا تعتبر مجموعة لوحاته المعبرة عن مخاص الآلام والاوجاع بمثابة صرخة احتجاج تجاه اهوال الحروب ومآسي الحياة الراهنة التي نعيش فصولها اليومية. |
|