|
فضاءات ثقافية وتغيير مفاهيمه ومعالجاته بما يناسب بوادر وظواهر تلك النهضة،وهو يصب في اتجاه المجددين من المتصدين لثوابت وقناعات الخطاب السائد، يلتقي في هدفه بما كتبه العقاد في «الديوان» الذي صدر قبله بعامين وبالأسلوب الهجومي نفسه. ويضيف الدكتور حاتم الصكر في الاتحاد الثقافي في العدد (258) إن المقدمة التي كتبها العقاد لطبعة «الغربال» الأولى تدل على هذا التناغم بين نداءات المشرق والمهجر معاً، واحتفاء العقاد في التقديم بأفكار نعيمة يعد بحثاً عن سند لاطروحات «الديوان» التي رآها العقاد حرباً بين طرفين لاثالث لهما: «مجددين ومقلدين». لذا نوه بجرأة نعيمة وصراحته وأشاد بمواقفه من الظواهر التقليدية وثورته على الأوزان، ودعوته لكتابة شعر يصفه بأنه «الشعر الصحيح» شعر الحياة لاشعر الزحافات والعلل، ذلك الشعر الرث الذي تركنا بلا شعر، ولاشك في أن عملية الغربلة ذاتهاوالتنظير لها وجعلها مهمة أو مهنية النقد ودفاع نعيمة عنها، وتصدر الغربال كعنوان للكتاب تفصح عن اصطدام بالثوابت والاعتقاد بأن النقد يجب أن يتصدى لما هو طالح وقبيح وفاسد تماماً كما هي الغربلة في الواقع، وكما أشار نعيمة إلى شموليتها فأسندها للطبيعة التي تغربل أحياءها وتصنفهم كذلك، وراح يقلب وجوهها ليلتمس العذر للناقد المغربل حين يخطئ لأن ثقوب غرباله لاتمسك دقيق الأشياء أحياناً، كما يماهي عملية الغربلة النقدية بردود الأفعال عليها فيستشهد بالمثل الشائع: من غربل الناس نخلوه، لذا يحترز بتوقع ما ستؤول إليه غربلته الأعمال التي تصدى لها. وكأي مقترح تجريدي فقد انتظر نعيمة رفضاً من فريق ورضا من آخر، وذلك ماذكره العقاد في مقدمته مذكراً بمعارك الديوان المشابهة. لكن أهم ما يستوقف القراءة الاستعادية هنا ليس الثورة على الثوابت النقدية والأدبية فحسب، إنما دعوة نعيمة للفصل في الغربلة بين شخصية الكاتب والشاعر وما يكتبه أوينظمه كل منهما، فقد كان تأكيده المتكرر لهذه الفرضية النظرية استباقاً لما ستبشر به النظريات النصية التي نقلت الاهتمام في نشاط القراءة من البحث عن قائل النص والحديث عنه كونه مهيمناً على نصه ومنعكساً فيه بشخصه، إلى الاهتمام بما قاله النص نفسه من ملفوظات وكيفية قوله، فيرى لترجيح فكرته أن النظر يجب أن يكون إلى ماقيل وكيف قيل وهي كما نعلم من الكشوفات اللاحقة للحداثة، ومن أسس المناهج الحديثة منذ النقد الجديد حتى البنيوية. |
|