تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الروائية الكرواتية أوغاريسك... والبحث عن الذات والهوية في «موطن الألم»

فضاءات ثقافية
الأحد25-3-2012
تركز جل الترجمات الأدبية على الآداب الأنكلو سكسونية، في حين لا يزال الاهتمام بآداب شعوب العالم الثالث محدوداً جداً لأسباب تتعلق أولاً بمركزية الثقافية الغربية وسيطرتها على الثقافات الأخرى،

والثانية هي ندرة المعرفة بتلك اللغات بسبب محدودية انتشارها عالمياً، الأمر الذي يجعل الترجمة العربية لبعض تلك الأعمال تأتي عن طريق لغة وسيطة هي الانكليزية أو الفرنسية غالباً.‏

تعدُّ رواية «موطن الألم«للروائية الكرواتية دوبرافكا أوغاريسكا مثالاً عن الأعمال المترجمة عن لغة وسيطة هي الانكليزية. وبغض النظر عما تفقده تلك الأعمال من جمالياتها وإيقاعها في لغتها الأم، فإن هذه الترجمة التي صدرت ضمن سلسلة إبداعات عالمية الكويتية تكشف لنا عن تجربة مهمة لروائية كرواتية عرفت بمواقفها المناهضة لاستقلال كرواتيا وللحرب والنزعة القومية التي مزقت يوغسلافيا القديمة وخلفت مآسي إنسانية مروعة.‏

تتولى الراوية الكرواتية تانيا بطلة الرواية من خلال سرد حكايتها كمدرسة للغات الصربية الكرواتية في إحدى الجامعات الهولندية بامستردام سرد حكايتها وحكايات شخوصها ومعاناتهم من اللاجئين والمنفيين الفارين من جحيم الحرب القومية والدينية في بلادها الممزقة حيث يحاولون عبر دراسة اللغات الصربية والكرواتية التي أصبحت من الماضي الحصول على الإقامة أو اللجوء. وإذا كان المنفى يشكل المكان الجامع لتلك الشخصيات، فإن لكل شخصية طريقتها في التعبير عن هذه العلاقة مع المنفى وسط حالة التمزق وضياع الهوية والألم التي تعيشها باحثة عن خلاصها بعد أن وجدت نفسها أمام واقع جديد وهوية جديدة وذاكرة مثقلة بالدم والدمار والضياع.‏

تتميز الرواية بدءاً من الاستهلالات الشعرية التي تتصدر بداية ونهاية الرواية ومطلع أجزائها وحتى لغتها السردية المكثفة بشاعريتها التي تضافرت مع استخدامها للسرد بضمير المتكلم في إضفاء طابع إنساني حميم على لغتها وأحداث روايتها وشخوصها.‏

شخصيات الرواية‏

تتميز الرواية بمحدودية شخصياتها بسبب العالم المحدود الذي تتحرك فيه بطلة الرواية وحالة الغربة التي تعيشها في منفاها، لكن اللافت لنظر القارئ هو أن أغلب شخصيات الرواية تظهر من دون أسماء في الأجزاء الأولى من الرواية، على الرغم من أن الراوية تقوم بتقديم شخصياتها والتعريف بهم وبالأعمال التي مارسوها لضمان حياتهم، والحصول على إقاماتهم في هولندا، وما واجهوه من ظروف صعبة قادت الكثير منهم إلى مشافي الأمراض النفسية أو الانتحار بسبب الشعور الفادح بالضياع والخسارة إثر تقسيم بلدهم الذي لم يعد موجوداً وتحول اسمه على سبيل الدعابة إلى بلد تيتو أو التيتانيك، بينما أصبح سكانه يسمون بـ«اليوغاف». ينطوي تقديم شخصيات طلابها من دون أسماء على رغبة بالإيحاء بحالة الضياع وغياب الهوية والشعور بالذات عند تلك الشخصيات..‏

غربة مزدوجة‏

إذا كان الإحساس بالغربة في المنفى معطى طبيعياً بسبب صعوبة التكيف مع المكان الغريب، فإن المفارقة تكمن في العلاقة مع الوطن بعد عودة بطلة الرواية إلى مدينتها زغرب، حيث تبرز علاقة الغربة والانقطاع عن المكان من خلال ما أصاب ذلك المكان من تبدل وتغير طال كل شيء فيه من أسماء الشوارع والساحات إلى علاقات الناس، ما جعلها تشعر كأنها تدخل إلى مكان غريب. لقد جاء هذا التبدل الذي أفقد المكان ذاكرته القديمة مترافقاً مع حالة التمزق والانقسام العرقي والديني والمذهبي الذي شهدته يوغسلافيا القديمة، الأمر الذي يفاقم من حالة الضياع والغربة والأسى التي تعيشها تانيا، وينعكس على علاقتها بطلابها إذ تتحول فجأة من الصداقة والتساهل إلى الجدِّية والصرامة التي تثير دهشة واستغراب الطلبة حتى أن ايغور يقوم بمهاجمتها بمنزلها وتعذيبها بعد تقييدها انتقاماً لقيامها بوضع علامة راسب له.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية