تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا يكرر الكيان الصهيوني اعتداءاته الإجرامية على سورية..؟!

دراسات
الأربعاء 26-2-2020
عبد الحليم سعود

كرّر الكيان الصهيوني الغاصب في الأسابيع والأيام الماضية اعتداءاته على سورية، مستهدفاً العديد من المواقع العسكرية والمدنية تحت ذريعة مفضوحة عارية عن الصحة وهي مناهضة ما سماه (الوجود الإيراني) في سورية،

ما دفع بالعديد من المتابعين لطرح أسئلة متعددة حول الأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا النهج العدواني المتصاعد ضد سورية في هذه المرحلة بالذات، وخاصة أن الجماعات الإرهابية تلفظ أنفاسها الأخيرة على جبهتي حلب وإدلب، ثم اجتهد البعض في الإجابة على هذه الأسئلة، فثمة من أرجع الأسباب إلى أزمة داخلية سياسية يعيشها الكيان المحتل منذ أكثر من عام حالت دون تشكيل حكومة صهيونية متطرفة تلبي طموحات الإرهابي بنيامين نتنياهو رغم جولتي انتخابات، وبذلك اتجه نحو تصدير أزمته للخارج، وثمة من ربط بين هذه الاعتداءات وبين تعثر مرور ما سمي (صفقة القرن) التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بداية الشهر الجاري واشتغل عليها خلال ثلاث سنوات من ولايته، وثمة من وضعها في سياق الدعم الصهيوني المستمر للإرهابيين في جبهة إدلب بالتنسيق مع النظام الإخواني التركي الذي يستميت للمحافظة على كيان إرهابي في شمال غرب سورية يكون أداته للبقاء في سورية والتدخل الدائم في شؤونها الخاصة، وتنفيذ بعض الأجندات التركية الخبيثة المعشعشة في رأس الطاغية العثماني رجب أردوغان.‏

في سياق الإجابة عن السؤال المحوري المطروح (لماذا يكرر الكيان الصهيوني اعتداءاته الإجرامية على سورية) ينبغي العودة إلى ما قبل الحرب الإرهابية على سورية بسنوات طويلة، فالكيان الصهيوني لطالما اعتبر سورية خطراً على وجوده التوسعي الاستعماري الاستيطاني في المنطقة، وثمة تعبير كان يستخدمه بعض حكام الكيان الأوائل (الخطر على إسرائيل دائماً يأتي من الشمال) في إشارة مباشرة إلى سورية، في حين شكل التنوع الاجتماعي والعرقي والثقافي والإنساني والديني الذي يميز سورية الخطر الأكبر المحدق بأنموذج الكيان العنصري الإسرائيلي الذي تم الترويج له من قبل حكومات إسرائيلية متعاقبة وقيادات إسرائيلية متطرفة من أمثال رئيس الوزراء المنتهية ولايته نتنياهو.‏

إذ يسعى الكيان الصهيوني الغاصب والمحتل إلى تهجير الفلسطينيين ــ أي العنصر العربي بمكونيه الإسلامي والمسيحي ــ خارج فلسطين التاريخية بهدف تكريس واقع كيانه العنصري داخل فلسطين مع الاحتفاظ ببقية الأجزاء المحتلة من سورية ولبنان ــ الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا اللبنانية ــ وإلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين عبر توطينهم في البلاد التي تم تهجيرهم إليها، وسرقة الضفة الغربية وتهجير من فيها إلى الأردن ومصر مع تقديم إغراءات مالية من جيوب الأنظمة الخليجية المتواطئة على القضية الفلسطينية، وكانت (خطة أو صفقة القرن) أوضح تعبير عن هذا الهدف الصهيوأميركي، حيث قطع الرئيس الأميركي الصهيوني الهوى أشواطاً بعيدة في محاولاته الخبيثة لإنجاز هذه الصفقة رغماً عن أصحاب الحقوق الشرعيين أي الفلسطينيين وبقية شعوب المنطقة، عبر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة للاحتلال، ونقل السفارة الأميركية إليها، ومن ثم الاعتراف (بسيادة) الاحتلال الكاملة على الجولان السوري المحتل في خطوة غاية في الاستفزاز والتنكر للمواثيق والقوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية.‏

خلال الحرب الإرهابية على سورية كان واضحاً حجم التورط الإسرائيلي في هذه الحرب، بحيث كان سابقاً على أي حديث حول الوجود الإيراني في سورية، حيث تشكلت غرفة موك في الأردن لدعم الإرهابييين في الجبهة الجنوبية، وعلى تخوم الجولان السوري المحتل، وقد أعرب كيان الاحتلال عن رغبته بإنشاء منطقة آمنة أو عازلة بعمق أكثر من عشرين كيلومتراً تتواجد فيها جماعات إرهابية أمثال جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات المتطرفة، كما عبر بعض المسؤولين الإسرائيليين عن عدم قلقهم من وجود تنظيم داعش الإرهابي على حدود فلسطين المحتلة الشمالية بما يشكله من تنظيم إرهابي (ديني) متطرف يشبه إلى حد بعيد الكيان الصهيوني في نشأته وتطوره.‏

وخلال السنوات الماضية قدم الأميركيون والإسرائيليون ومعهم بعض العرب ودول الغرب إلى جانب تركيا دعماً غير محدود للتنظيم الإرهابي المسمى (داعش) لكي يتمدد داخل سورية والعراق ويقيم كياناً دينياً يشبه كيان الاحتلال كمحاولة أولى لشطر سورية إلى مجموعة دويلات طائفية وعرقية، وكان المثال الأميركي الأوضح في دعمه للتوجه الصهيوني هو تشجيع بعض المكونات الكردية (قسد) وغيرها على الانفصال عن الوطن الأم سورية وتشكيل كيان خاص بها، بعد اندحار تنظيم داعش بجهود سورية وحلفائها، ولعل الجميع يتذكر أن الكيان الصهيوني كان أكثر المتحمسين لانفصال إقليم كردستان عن العراق كجزء من تقسيم سورية والعراق وإقامة دويلات طائفية وعرقية تخدم الأجندة الصهيونية بعيدة المدى، وليست مصادفة أن ينادي بعض متزعمي الحركة الصهيونية بشعار (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، وقد وجدنا تجسيداً لهذا الشعار العدواني التوسعي عبر تقسيم السودان الشقيق إلى دولتين (شمال وجنوب) حيث يقيم الجزء الجنوبي أفضل العلاقات مع إسرائيل في حين كشفت الأيام الماضية عن جنوح المجلس العسكري الذي ورث حكم البشير لإقامة علاقات مشبوهة مع الكيان المحتل.‏

وبناء على ما سبق يمكن تفسير الحالة الهستيرية التي يعيشها الكيان الصهيوني حالياً والتي تتجلى في اعتداءات متكررة لخلق ظروف جديدة تخدم الصفقة المتعثرة، فالمشروع الصهيوني المبيت لتفتيت سورية وتقسيمها بغية استكمال (صفقة القرن) تكسر واندحر على صخرة صمود السوريين الذين عقدوا العزم على التمسك بوحدة وطنهم وتحرير كل شبر مغتصب من أرضهم، بدءاً بالجولان السوري المحتل وصولاً إلى القدس، مع بقاء القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم أولوية مطلقة لدى القيادة والشعب في سورية، الأمر الذي يجعل كيان الاحتلال يقدم على حماقاته بشكل متكرر كتعبير عن يأسه وقنوطه من إمكانية تحقيق أحلامه التوسعية العنصرية على حساب سورية التي ظلت في نظره الخطر المحدق بمشاريعه وطموحاته، وخاصة بعد أن زادت العلاقة وترسخت أكثر بين مكونات محور المقاومة خلال حرب السنوات التسع، وهو المحور الذي شكل ــ وما زال ــ الصداع المزمن في العقل الصهيوني.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية