|
شؤون سياسية وقد وصف بعض المراقبين هذا القرار بأنه جاء بمثابة «تصريح بالقتل» تقدمه دول أوروبا إلى تل أبيب التي تواصل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني إلى درجة أصدرت معها الأمم المتحدة بياناً مؤخراً اعتبر أن السياسة الإسرائيلية أشبه بالإبادة الجماعية. والأمر المدهش أن هذا القرار الأوروبي جاء في وقت تردد فيه الحديث عن وثيقة سلام أوروبية يجري وضع اللمسات الأخيرة عليها، وتتضمن الضغط على إسرائيل من أجل تعزيز فرص التوصل إلى تسوية سلمية على أساس قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل واقتسام القدس بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. لاشك بأن القرار الأوروبي هذا يكشف بوضوح أن نفوذ المعسكر اليميني الموالي لإسرائيل في دوائر صناعة القرار الأوروبي، ومن شرق أوروبا إلى غربها قد تنامى مع كل أسف. منذ بداية الصراع العربي - الإسرائيلي اتسمت المواقف الأوروبية بشكل عام بالاعتدال بين طرفي الصراع، مقابل انحياز أميركي أعمى إلى جانب إسرائيل، ولكن يبدو أن تحولاً واضحاً تشهده أوروبا لمصلحة إسرائيل التي وصل تبجحها إلى حد الاعتراض على مشاركة الجامعة العربية في اجتماعات الاتحاد من أجل المتوسط قبل التوصل إلى تسوية بشأن وضع الجامعة بعد أن كانت إسرائيل تتسلل إلى أي مناسبة دولية فيها مشاركة عربية. والسؤال المهم هو التالي: ماذا يمنح القرار الأوروبي إسرائيل من ميزات ومكاسب؟ إنه يمنحها وضعاً أشبه بعضوية الاتحاد، بحيث سيتم عقد قمة أوروبية إسرائيلية دورية على غرار القمم الأوروبية الروسية، والأوروبية الأميركية والأوروبية الصينية، وهو وضع فريد لا يتمتع به سوى عدد محدود للغاية من الدول الكبرى في العالم، وقد بررت دوائر الاتحاد الأوروبي في بروكسل ببلجيكا القرار بأنه اتخذ دعماً لـ «تسيبي ليفني» في الانتخابات المقبلة أمام تزايد فرص فوز المعسكر المتشدد بقياة الليكود، وذلك كمحاولة من دول أوروبا لاحتواء الاستياء العربي من هذا القرار. ومما يلفت النظر أن هذا القرار جاء مناقضاً لقرار البرلمان الأوروبي قبل أيام بتأجيل موضوع ترفيع العلاقة مع إسرائيل بسبب حصار غزة وانتهاك حقوق الإنسان..! من المعروف أن إسرائيل اعتمدت في قيامها على تحالفها مع أوروبا، فأول مسمار في نعش فلسطين العربية كان بريطانياً وذلك من خلال وعد بلفور، وأن الانتداب البريطاني هو الذي سلم فلسطين لليهود والصهاينة، ثم إن جميع الأسلحة التي استخدمها اليهود قبل قيام دولتهم في فلسطين وخلال السنوات الأولى بعد عام 1948 كانت أسلحة أوروبية، كما تحالفت بريطانيا وفرنسا مع إسرائيل في العدوان على مصر عام 1956 عندما قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، ولكن إسرائيل عمدت بعد ذلك إلى اختيار حليف جديد هو الولايات المتحدة الأميركية، ونجحت في ذلك الاختيار، حتى إنها كانت وما زالت ترفض أن يكون لأوروبا أي دور بارز في جهود عملية السلام في المنطقة. هذا ويمكن القول إن أصدقاء إسرائيل القدامى في أوروبا ظلوا على إخلاصهم للدولة الصهيونية رغم بعض المواقف الاستثنائية العادلة مثل قرار الرئيس الفرنسي الراحل «شارل ديغول» بمنع تزويد إسرائيل بالأسلحة الفرنسية بعد عدوانها على العرب عام 1967. إذاً، نستنتج من هذا أن هناك خلفية تاريخية لفهم هذا القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في اجتماع دولة الأخير في بروكسل برفع مستوى العلاقات مع إسرائيل أي أنه لم يأت من فراغ. إن المشكلة في هذا القرار أنه جاء بمثابة تشجيع أوروبي جديد لإسرائيل، في الوقت الذي تقوم فيه بتكثيف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وتحكم حصارها الوحشي حول الفلسطينيين في قطاع غزة رغم احتجاجات العالم ومطالبته بفك هذا الحصار، كما تمارس أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ذلك أن جميع التقارير الواردة من بعض المنظمات الحقوقية تؤكد أن ما يجري في غزة هو كارثة إنسانية حسب تعبير منظمة العفو الدولية، حيث ورد في أحد تقاريرها العديد من الأرقام والبيانات التي تجسد حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، ومما جاء في التقرير أن نحو 80? من بين 1.5 مليون فلسطيني يعتمدون الآن على المساعدات الغذائية، وأن أنظمة المياه والصرف الصحي اقتربت من الانهيار التام، وأن مشافي غزة تواجه انقطاعاً مستمراً للكهرباء يستمر أو يتجاوز 12 ساعة يومياً، وأن 19? من الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى علاج في الخارج منعوا من الخروج، وأن 95? من المشروعات الصناعية قد توقفت عن العمل، وأن نسبة البطالة بلغت 40? وقد تصل إلى 50? قريباً..! والسؤال هو التالي في ضوء هذه المعطيات: ألا يشكل قرار الاتحاد الأوروبي تشجيعاً لإسرائيل على المضي في ممارساتها البشعة؟ بالتأكيد الجواب هو «نعم» ولا نبالغ حين نقول إنه مكافأة لها وليس تشجيعاً فقط!! وهكذا نخلص إلى القول إن هذا الدعم الأوروبي الجديد لإسرائيل هو شديد الخطورة، حتى ولو قيل إن الهدف منه هو دعم «ليفني» في الانتخابات الإسرائيلية القادمة في شهر شباط من العام 2009، وما يزيد في خطورة هذا الدعم هو أنه جاء في وقت ترتكب فيه إسرائيل أبشع المجازر وأنواع الحصار بحق الشعب الفلسطيني وتتنكر لجهود السلام العادل. |
|