تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غــــــــــزة وردة مــــــــــــن دمنــــــــــــا

ثقافة
السبت 3-1-2009م
من قال إن الدم لاينتصر على الجلاّد..؟ بل من قال: إنَّ العين لاتقاوم المخرز؟ من قال: إننا اليوم في أبهى عصور الحضارة والإنسانية..ننعم بالحقوق ننعم بالعطاء، ننعم وننعم, نعم نحن نعيش القرن الحادي والعشرين،

نعيش التيه والألم، نعيش عودة الإنسان إلى ماقبل الوحشية لابل إننا نظلم الوحوش في غاباتها، في أوكارها في سرحها في اصطيادها، نظلمها حين نشبه بعض من يدّعون البشر بها..هم في الدرك الأسفل من ذلك، نعم ظالمون لأن الوحوش حتى الضارية لاتهاجم إلاّ إذا جاعت وحين تشبع تذهب وتذهب.‏‏

أما هؤلاء الظالمون، الطغاة، الخارجون من أتون الحقد، هؤلاء الصانعون للجحيم لأنفسهم أولاً ولمن يمد لهم يد العون، هؤلاء المدنسون للإنسانية عبر تاريخها، لهم صولة وربما صولات وجولات، ولكن إلى متى؟ هل ستبقى آلة الفتك تدور وتدور تطحن البشر والشجر والحجر، تحيل نهارك إلى ليل، وليلك إلى نهار، آلة الموت هذه ستنكسر وستدور الأيام ستنهض الأشلاء من تحت الأشجار من المقابر، ستنبعث من المآقي من العيون، من نبض القلب، لها خفق الأرواح، الدم المستباح ليس ماء بحر يراق، ليس شراباً يستلذ به المعتدون، هذا الدم، هو الطهر هو العبق الذي ملأ فضاء الدنيا، هذا الدم الذي أمطر ماءً نقياً لأرض غزة حين اشتاقت الماء، الدم المسفوح ظلماً هو السيف الذي يقاوم هو الوعد الذي سينبت شقائق النعمان في غزة هاشم.‏‏

أما المترفون في صمتهم في غيهم في دياجير الكهوف، خلف الجدران الوثيرة، خلف الذلّ الذي يعيشونه، فلهم أن يصافحوا الأيدي التي اغتالت بسمة الأطفال، روّعت الشيوخ والعجزة، دمّرت المساجد والمنازل، لهم أن ينعموا بدفء المذلة والهوان وسيكتب التاريخ أنهم لم يكونوا سوى دمى تحرّك حين الحاجة.‏‏

غزة أكبر من برّها وبحرها، وأكبر من جرحها، أعلى قامة من كل جبل، بحرها محيط لجب، رملها نبض في قلوب الملايين.‏‏

غزة السابحة بين زمنين، زمن الردّة وزمن التوق إلى الانعتاق، غزة تسبح ضد الهوان، ضد الذل، تكتب على أوراق الزمن المنصرم في نهايات عام 2008م أن الحضارة المتفرجة قد هانت ودنستها سنابك الخيل..غزة ليست الجسد العابر ولا الجرح العابر في هذا الزمن هي فسحة الأمل ورؤى النصر القادم..كلماتنا هباء لامعنى لها، حروف باهتة، باردة، ميتة أمام عظمة طفل يسقط معطراً بدمه ليفتدينا..أمام شهيد يعانق أرضه ومفتدياً قومه وأمنه ويداه ترفعان راية النصر..غزة جرح على جبين الإنسانية وهذا الجبروت الذي يفتك بالأبرياء دليلٌ على الهمجية التي ستدفع بالبشرية إلى حافة الهاوية، فمامن قوة طغت وتجبرت إلاّ ودفعت الثمن غالياً فكيف إذا كان التواطؤ مع القوة رياءً ونفاقاً؟ إنه زمن الردّة، زمن يصح فيه القول ألقاب مملكة في غير أهلها.‏‏

وهو زمن الأخطل الصغير حين قال:‏‏

إنّ جرحاً سال من جبهتها/لثمته بخشوع شفتانا‏‏

وردة من دمنا في يده/لوأتى النار بها حالت جنانا‏‏

غزة وردة الدم والنار وردة نسغها الدم وأوراقها الأشلاء والأجساد عطرها قادم قادم، نور ضياء ونصر مبين.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية