|
مجتمع يتفاخرون بعلاقاتهم الاجتماعية التي تربطهم بمن يتشاطرون معهم الحي أو الشارع أو المنطقة, وفي الوقت الذي يعتبر التواصل فيه مع الجار من العوامل التي تجعل حياتنا أكثر مرحاً وسهولة وتساعد على مواجهة الكثير من ضغوطات الحياة اليومية إلا أن علاقة الجيران اليوم اتخذت منحى مختلفاً عما كانت عليه في السابق حيث أصبح من المألوف أن الجيران لم يعودوا يعرفون بعضهم بعضاً وقد أصبحت عبارات, كصباح الخير أو مرحبا تقال بشكل رسمي وفي كثير من الأحيان خجلاً, هذا إن لم تكن العلاقة بينهم عبارة عن عداوة وخلافات ولمجرد أسباب في كثير من الأحيان تافهة, البعض ينسب ذلك إلى تغير نمط الحياة وصعوبة الظروف المعيشية أو البعض إلى الزمن الذي طغت عليه المصالح ولا شيء غيرها. ماذا حصل? وكيف أصبحنا ننظر إلى هذه العلاقة, وهل دخلت حقاً في غياهب النسيان? - أحمد العاجي: موظف يتحدث عن علاقة الجيران المنسية هذه الأيام فيقول: (صباح الخير بشكل رسمي), (صباح النور مع ابتسامة باهتة) هذه العبارة بصراحة هي العلاقة التي تجمعني بجيراني منذ أن سكنت في هذا البناء منذ سنة ونصف السنة, فأنا لا أزورهم ولا يزورونني, لا أفتقدهم ولا يفتقدونني ودائماً أتساءل هل يمكن أن يكون هذا الشيء طبيعياً? وهل أصبح البعد عن الجيران ظاهرة عامة, دائماً لا جواب على الرغم من أنني بادرت حين انتقالي إلى البناء وزرت بعضاً من سكانه إلا أن أحداً لم يرد لي الزيارة, ما يوحي بأن مفهوم الجيرة لديهم قائم على السلام فقط, بينما في الماضي وحسب ما نسمعه من كبار السن فإن علاقة الجيران كانت قائمة على المحبة- والود لدرجة أن جميع سكان الحي كانوا يعرفون بعضهم بعضاً وكأنهم أسرة واحدة بكل ما تعني الكلمة من معنى, فهم معاً في السراء والضراء, لذلك نرى معظم عجزة هذه الأيام يرددون عبارة (الله يرحم أيام زمان) ومعهم الحق في ذلك. أما أم أيمن (ربة منزل) فتقول: العلاقة الوحيدة التي أقمتها مع جيراني منذ خمسة أعوام فهي بسبب طفلتي الصغيرة التي كانت زميلة لطفلة من جيراني, وهذه العلاقة لم تتعد حدود الزيارة الرسمية حيث ليست هناك أفكار وميول مشتركة بيننا ولا حتى أحاديث مشتركة, أما جاراتي في البناء فمنهن حتى لا أعرف اسمها, بل أعرفها بالشكل فقط, ومنهن من التقيتها مصادفة عند باب البناء, ونكتفي بالتحية والسلام, ولا أعرف ماذا حصل للناس حتى إن بعض الجيران يسكن بداره الجديدة سنوات وعندما يرحل لا يكون قد عرف اسم جاره. مؤيد سليمان (مهندس) أكد أن علاقة الجيران هذه الأيام لا تأتي إلا بالمشاكل فقال: مشاكل الجيران لا تنتهي, تصور أنني أقيم في بناء برجي منذ عشر سنوات ومنذ ذلك الوقت والخلافات قائمة بين جميع سكان البناء وجميعها لأسباب مادية تتعلق بالإصلاحات التي يجب أن نجريها لكل شيء يتعطل في مرافق البناء الذي نقطنه, كالمصعد والإنارة وتنظيف الدرج وغير ذلك, ويكمل قوله: دائماً تبدأ المشاكل عندما نطالبهم بالدفع من أجل هذه الإصلاحات, فمنهم من يرفض ومنعم من يتأخر, أليسوا هم قاطنو هذا البناء, فهل نحضر مواطنين من الشارع ونقول لهم ادفعوا لإصلاح ما تعطل في بنائنا, فعلاقة الجيران هذه الأيام قائمة على فقدان الاحترام والود, وقائمة على الغيبة والنميمة, فهذا يتكلم على هذا, وهذه تثرثر على جارتها, كم أتمنى أن تعود أيام زمان التي كان الجيران فيها بمثابة الأهل, ومعك بالسراء والضراء. وفي رأي مختلف عما سبق فإن علاقة الجيران المحددة تبعث الارتياح في النفس, هذا ما قاله سامي وهبة الذي أكد أنه ليس من محبي الاختلاط مع الجيران, لأن علاقة الجيران الحميمة ببعضهم تجعلهم يعرفون خصوصية ما يجري بداخل منازلهم, ومن هنا تبدأ المشاكل, خاصة أننا بتنا نعيش في وقت لم نعد نميز فيه الصالح من الطالح, بالإضافة إلى التعقيدات التي تصاحب علاقات النساء ببعضهن, كالنصائح الخاطئة ومشاكل الغيرة والحسد, لذلك من الأفضل أن تكون العلاقة مع الجيران في إطار المجاملة وحدود الرسميات فقط,وهذا ما اتفقت عليه مع زوجتي منذ بداية زواجنا. ولكن ليست جميع العلاقات مع الجيران ضعيفة ومثيرة للمشاكل, هذا ما أكده لنا محمد حسن حيث قال: على الرغم من ظروف الحياة المعيشية الصعبة التي أعيشها والمتمثلة في البحث عن الرزق يومياً, إلا أن علاقتي بجيراني ممتازة جداً, أزورهم ويزورونني في الأعياد والمناسبة, وأعرف أخبارهم وأحرص على التواصل معهم كلما سنح لي الوقت, لماذا لا نترك الأمور تسير كما أرادها الله خاصة أنه أوصى بالجيرة وبحسن الجوار. وبالنسبة لرأي أهل الاختصاص في علاقة الجيران مع بعضهم البعض قال د. ثائر محفوض وهو اختصاصي علم اجتماع: إن المجتمعات العربية كانت في الماضي ولأزمان طويلة مجتمعات إنسانية بسيطة بعيدة كل البعد عن تعقيدات الحياة اليومية, وهذا ما أدى إلى تمتين أواصر المعرفة والتداخل بين المجموعات المختلفة في كثير من المناطق وازدادت حينها أهمية الجيرة وأصبحت من أسمى القيم الاجتماعية حيث إن الجيران كانوا في الماضي يعيشون في مناطقهم وكأنهم أهل من عشيرة واحدة,وبات كل منهم يشارك الآخرين في الأفراح والأتراح, لدرجة أن الأحياء آنذاك كانت تسهم بشكل مباشر في قيام الكثير من العلاقات والزيجات, ونضع اللوم الكبير على الحياة العصرية بكل تعقيداتها والتي تتسم بسرعة الوتيرة وضغوط العمل وظروف الحياة المعيشية الصعبة التي فرضت على الجميع عدم القدرة على التواصل مع الجيران, وكما نعرف إن العلاقة مع الجيران يمكن أن تضمحل في حال لم يكن فيها أي نوع من التوازن أي الأخذ والعطاء, وكذلك الأمر الآخر إن العلاقات الاجتماعية أصبحت مكلفة أكثر من ذي قبل وأصبحت تتطلب تبادل الهدايا, وهذا الأمر يزيد من الأعباء المادية على رب الأسرة, فيفضل الاختصار وعدم توسيع معارفه خوفاً من الالتزامات, فتكون علاقة الجيرة هي أولى ضحايا هذا القرار,ولكن على الرغم من هذه المفاهيم الخاطئة التي باتت ترافق مفهوم الجيرة هذه الأيام, إلا أنه سوف يظل قائماً ما دامت المجتمعات الإنسانية قائمة, فحاجة الإنسان إلى الآخر لن تزول, وأقرب من تلجأ إليه عند الحاجة هو الجار, ولا يهم إذا كان هذا الجار فرداً أم أسرة, فلم يعد إنسان اليوم يعيش لنفسه, بل عليه التفكير والعمل الدائمين مع الآخرين والتواصل معهم. وأخيراً قد يكون ما عرضناه سابقاً هو جزء بسيط مما يحصل هذه الأيام عن علاقة الجيران فيما بينهم, على الرغم من أن كافة الأديان السماوية تأمر بحسن الجوار مع أخيه الإنسان, إلا أننا يجب أن نقرّ أن الزمن قد تغير, فالإنسان عموماً أصبح منحازاً لأشياء كثيرة تصرفه عن إقامة أي نوع من التواصل مع الآخرين, ويبدو أن سعي الناس الدؤوب وراء تأمين لقمة العيش جعل العلاقات الاجتماعية واهية, ليس مع الجيران فحسب, بل مع الأهل والأقارب أيضاً. |
|