تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


باولوكويلهو.. بحثاً عن أسطورة الكاتب..

كتب
الأربعاء 13/2/2008
أحمد علي هلال

للجسد مراياه..ففي المرايا صور مرسومة بنهايات الشغف,ملونة بالممكن من المعيش, الممكن من تجارب تروى,

كهدنة بين روايتين ثمة جدل لا يستنفد فيما وراء نصوص بعينها هل نكتب لنعيش أم نعيش لنكتب?! والعلاقة بين التجربة والحياة والكتابة هاجس أساسي يجول في أذهان مبدعين كبار أمثال ماركيز ونادين غوتموز ودوريس وسواهم ممن يدفعوننا للبحث في أسطورة الكاتب ومغزى تجاربه.‏

لعل كويلهو (الكاتب أكثر إثارة وجدلاً,يبدو كظاهرة لافتة فهو ليس مجرد كاتب حكايات, يعد والرأي لنقاده ممثلا لثالث موجة ثقافية جماهيرية في القرن العشرين أي بعد فرويد وماركس بانتباهه إلى الجانب الروحي الديني الذي أهملته الثقافة المعاصرة وبموضوعاته الأثيرة حول الدين والأسطورة والرموز.‏

فإذا كانت كتبه المعروفة ( الخيميائي, بيدو نيكا تقرر أن تموت, الشيطان والآنسة بريم) وغيرها هي انعكاس لروحه الخاصة كما يقول,فإنها شديدة العلاقة بما عاشه وجربه في حياته.‏

كما هي نصوصه التي نشرها بين عامي (1998-2005) بعنوان (كالنهر الذي يجري) باستعارة العنوان والدلالة الرمزية المكانية والزمانية والإنسانية له.‏

على الأرجح أن كويلهو أراد نشر النصوص في كتاب ليسجل تجربة حياته لكنها تجربة توائم في محكيها بين الخيال والواقع وبين الأفكار والمشاهدات ينزع إلى الوصف والتحليل والاستخلاص,تلك هي خصوصية مراياه الحميمة مع فارق إضافي أننا نشاركه الرؤية للعالم والأشياء روح الصراع والأمكنة والبراءة وما تنطوي عليه شعرية (مانويل بانديرا) كعتبة لمجموعة النصوص هي التفكير وهو بدوره أي التفكير فالتأمل بشذرات كويلهو الحياتية الغنية بايقاعها الفلسفي وهارمونية الحكاية الوشيكة أو القول الروائي في ارهاصاته الجديدة أو البحث في هوية الكاتب أو ماهيته ليكونه كويلهو وهو يمرر بذكاء استبطانه لنقد الستينيات (الكاتب يضع نظارة باستمرار وشعره غير مصفف يمضي نصف وقته غاضبا من كل شيء والكاتب يبرع في استخدام موضوعات ذات أسماء مخيفة سيموطيقيا, ابسيتمولوجيا, والحساسية الجديدة,ونظرا لثقافته الواسعة فإنه يجد دائما عملا كناقد أدبي وفي هذه اللحظة يبين كرمه وهو يكتب عن كتب أصدقائه يقول الكاتب لكي يغري امرأة (أنا كاتب) ويكتب قصيدة على الحقيبة والأمور تمشي دائما) مع اختيار كويلهو لعناوين نصوصه سوف تتضح لنا خبرته ككاتب (منكوش الشعر ويحمل علبة الغولواز في جيبه متأبطا مسرحية (حدود المقاومة) دارساً هيغل ومقررا قراءة أوليس) لكن مغني الروك الذي طلب منه نصوصا ليغنيها أبعده عن البحث عن الخلود, ليعود سالكاً حياة الناس العاديين ,هكذا تنتظم حياته المكونة من سيمفونية من ثلاث حركات (أناس كثيرون, بعض الناس, لا أحد تقريبا) - نهار في الطاحونة).‏

وبالعودة إلى الأفكار التي تتجسد كفعل سوف نقتفي في (طريق الرماية بالقوس) مزايا قلم الرصاص ,لاسيما المزية الخامسة: (اترك علامة دائما بل أعلم أن كل ما ستفعله في الحياة سيترك أثرا فاجتهد لأن تكون واعيا لكل أفعالك) وكأننا بكويلهو في نص - كتاب لتسلق الجبال- ينثر وصايا لبلوغ القمة والقمة تستدعي احترام الجسد والروح, تأهب واستمتاع, ووعد, والأهم أن نروي لنواجه (جبالنا الخاصة) بل حديقة حياتنا المنفتحة على الحياة والأمل وفلسفة الكل في الجزء وروح المؤلف المسافرة ومن أجل امرأة هي كل النساء.وما هو مضحك عند الإنسان وفن التجريب الإيمان بالمستحيل إلى ما يتناهى من شبكة نصوصه الهائلة إلينا..‏

ثمة تيمات إضافية حملتها نصوص كويلهو المختارة بعناية وبقصدية الإيمان, الموت, الجنة, الشيطان, الحب, الوجود, التأمل, الجرأة, الكتب غير المرئية ( الكرم), الاكتشاف, الحظوظ, الخلود, وهكذا بإطار قصصي جاذب يلخص حكمة أو يشير بومضة إنه يروي إذن ما يعرفه بالضبط أو ما قد يعرفه تماما, يكثف في نصه - وحيد على الطريق- تلك التيمات, عندما يقول: إن الحياة كسباق دراجات كبير هدفه إنجاز الأسطورة الشخصية وهو مهمتنا على هذه الأرض كما يقول قدماء الخيميائيين ,ويمكن له أن يكون ساخرا كما في - ما هو مضحك عند الإنسان- أود أن أعرف ما هو المضحك عند الكائنات البشرية?‏

إنهم يفكرون دائما بعكس ما لديهم يفكرون بكثير من القلق في المستقبل... يعيشون كما لو أنهم لن يموتوا أبدا, ويموتون كما لو أنهم لم يعيشوا أبدا), ومن رسالته إلى الرئيس الأميركي بوش (شكراً أيها الرئيس بوش) (الآن وطبول الحرب تضرب بصورة حاسمة, سأتبنى الكلمات التي قالها ملك أوروبي لأحد الغزاة: ليكن صباحك بهيجاً ولتشرق الشمس على أسلحة جنودك فبعد هذا الظهر سوف أهزمك) باولوكويلهو في (كالنهر الذي يجري) يشرح مقولته بأن (الدين هو تجربة جماعية مشتركة للإيمان) هو ذا نهر حياته ومساراته الروحية لما قد يحول من ضبط نص مفتوح ووعيه - القدر- وأسلوبية كويلهو ترمي سؤالاً حاسماً على متلقيه: هل كان كويلهو خلاصة نصوصه وهو المتصالح مع الموت المتطير إلى حياة مازالت اسطورتها عروس الحبر ومراياه الساحرة في وقت مضى فعل إدوارد غاليانو في أفواه الزمن الشيء ذاته.. إنه يلتقط صوراً من حياة يومية والفارق جدا بسيط لكنهما لم يخرجا عن محيط الدائرة رسما أم تلوينا لتفصح الصور باللامفكر به.‏

المؤلف: باول كويلهو. / الكتاب: كالنهر الذي يجري. / ترجمة: عدنان محمود محمد. / الطبعة الأولى:.2007 - الناشر:ورد للطباعة والنشر والتوزيع سورية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية