تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة في حدث.. معقول وغير معقول!

آراء
الأربعاء 13/2/2008
د. اسكندر لوقا

أشير مؤخرا في تعقيب لأحد الزملاء بخصوص شارع فيصل في حلب, اشير الى ان هذا الشارع بات يشكل عائقا امام الحافلات كما امام عابري السبيل. وفي التعقيب ان ازالة المنصف الذي يقسم الشارع الى نصفين يمكن ان يسهل عمليات المرور وينهي حالة الاختناق المروري.

بطبيعة الحال ان الدعوة لحل مثل هذه الاشكالية التي تتصل بنظام المرور في مدينة كبرى كمدينة حلب او سواها من مدننا الكبرى,تستحق العناية بها. بيد ان الوجه الاخر المتصل بهذه الاشكالية تستحق ايضا العناية بها, خصوصا عندما يكون ثمة بوادر اعتداء على هذا المعلم او ذاك من معالم المدينة الذي يشكل جزءا من الذاكرة الشعبية لابنائها, هذا فضلا عن محو اسماء المساهمين في صنع المعلم بأمل ان يكون الاسم جزءا من هوية المكان الذي ينتمي اليه.‏

في هذا الصدد, اشير الى ان المنصف الذي يقسم شارع فيصل في حلب الى قسمين, تزينه أشجارخضراء باسقة, صيفا وشتاء, وبعلو لايقل عن عشرة امتار وربما اكثر. وكان أحد المهندسين الزراعيين من ابناء المدينة ويدعى جورج منير قد اخذ على عاتقه القيام بهذا العمل,ومن دون اجر سوى مايتقاضاه من بلدية حلب التي كان يعمل فيها في اربعينات القرن الماضي, اضافة الى تصميمه حديقة حلب التي تتربع على مقربةمن شارع فيصل في وسط مدينة حلب, كذلك تصميمه حديقة السبيل و حديقتين أخريين على مقربة من قلعة حلب ومبنى البريد فيها.‏

استذكر هذا الاسم وقد التقيت معه ذات مرة في حلب, على هامش محاضرة في المركز الثقافي العربي, وجرنا الحديث الى عراقة مدينة حلب وموقعها الاستراتيجي على الخط التجاري الواصل بين سورية وماوراءها من دول وصولا الى الصين.‏

يومئذ حدثني المهندس جورج منير على اهمية الحديقة والاشجار التي تحتل مواقعها على المنصف في الشارع المذكور كما الابوان يتحدثان عن الاولاد والاحفاد وكل منهم قطعة من كبديهما , ويومئذ ايضا, ترك لدي انطباعا حول هواجسه التي تقول له بين الحين والآخر, ان يوما قد يأتي ويجري القضاء على اشجار منصف شارع فيصل لسبب من الاسباب لايدري ماهي حتى ساعة الحديث. وفي نهاية حديثه تمتم بما فهمت من انه لايتمنى ان يعيش الى ذلك الوقت, فيرى اشجاره تقتلع من اماكنها لتزرع في مكان اخر او لتصير طعاما لمصنع ورق كان قيد الانشاء.‏

وكما اشتهى, قضى المهندس منير قبل ان يرى ماكان يتخوف من حدوثه وهوعلى قيد الحياة, واعتقد ان الحلبيين الاوفياء لابناء مدينتهم يعرفونه جيدا, وان لم يكن ثمة مايشير الى اسمه في الشرائح المعدنية التي تشير الى اسماء من هم مازالوا احياء او رحلوا عن دنياهم, جزاء ماقدموه للوطن قبل الرحيل.‏

ترانا نحسن صنعا اذا املنا بأن رئاسة مجلس مدينة حلب,بما نعلمه عنها من قدرة على الفعل,بل وسرعة الفعل, بأن تضيف اسم هذا المهندس على اول شارع فيصل سواء في حال ازالة المنصف اوعدمه, تعبيرا عن ان مدينة احبها احد ابنائها الى هذه الدرجة لايمكن ان تنساه هي بدورها, وان طالت فترة النسيان لسبب أو لآخر?‏

ام ان فكرة كهذه يمكن ان تندرج , على سبيل المثال , تحت عنوان المعقول وغير المعقول ?‏

Dr- louka@ maktoob .com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية