تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فرنسا هي فرنسا.. !

خَطٌ على الورق
الثلاثاء 22-1-2013
أسعد عبود

عندما دخلنا ببلدنا عالم اليسار والثورة، حفظنا ورددنا عبارات و شعارات للمدح والقدح حتى أصبحنا نقولها بشكل آلي مضحك أحياناً، من كثرة ما يصيب بالضجر. من تلك العبارات كانت عبارة «الإمبريالية الأميركية «. ذات يوم زارنا وفد جزائري وخطب رئيسه مستهجناً لماذا نخصص الإمبريالية بـ «الأميركية «.

وتساءل: هل أنتم معجبون بالإمبريالية الفرنسية مثلاً ؟!‏

كان الزائر الشقيق من ذاك الجيل الذي اكتوى بنيران العدالة الفرنسية. وكان محقاً في رؤيته بأن الإمبريالية واحدة، كانت فرنسية أم أميركية أم انكليزية. كل ما في الأمر أننا رتبناها حسب المواقف من القضية العربية الأولى في حينه «الفلسطينية «معتمدين كثيراً على رؤية أطلقها الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، وساعدنا على ذلك، استعدادنا الموروث من أيام الاستعمار للانبهار بالفرانكفونية. و قد تولى اليسار المفلس فيما بعد تعميم هذه النظرة إلى درجة منع النقاش حولها. معظم ماركسيي الأمس وتروتسكييه وغلاة اليسار والشيوعية هم اليوم المتزاحمون عل أطراف الموائد الفرنسية والإمبريالية بشكل عام.‏

أتذكر ذلك وأنا أتابع ظلال الصدمة التي تحدثها المواقف الفرنسية لحكومات اليمين و اليسار، والثانية أسوأ من الأولى، ابتداء من الموقف المشوه للفكر والثقافة والعدالة وحتى المنطق من المناضل اللبناني السجين جورج عبد الله، مروراً بدعم الإرهاب في سورية متغطية بشرعية الحراك السلمي السوري من أجل الحرية والتغيير باتجاه الديمقراطية، و وقوفاً عند الغزو الاستعماري الوقح لمالي تحت شعار محاربة الإرهاب ؟!!‏

في باريس التي تذهلكم عدالتها هذه، داست الداخلية الفرنسية عل قرار القضاء الفرنسي بالإفراج عن جورج عبد ألله، وفي باريس هذه يقبع في السجون الثائر الأميركي الجنوبي المناصر للقضية الفلسطينية «كارلوس «، وفيها أيضاً تمت عملية تصفية الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، هل يصدق أحدكم أن إسرائيل كانت قادرة على ارتكاب جريمتها البشعة هذه من غير مساعدة جهات فرنسية «مخابرات أو غيرها «؟ و بالأمس ارتكبت جريمة نكراء بقتل ثلاث ناشطات كرديات؟! مع فرق التشبيه، ألا يذكركم ذلك باغتيال المناضل المغربي الشهير المهدي بن بركة، في باريس أيضاً؟! هل كان المجرم القاتل الفاشي أجير الحسن الثاني الجنرال محمد أوفقير قادراً على ارتكاب جريمته من غير مساعدة؟! وكان وزيراً لداخلية الحسن الثاني؟! بما يعني أن كامل حركته مرصودة و مراقبة، ثم لا تنسوا أنه وزير الحسن الثاني الذي تجاوز في عمالته وارتباطاته بالغرب الاستعماري حسين الأردن.‏

إن تاريخ فرنسا في أفريقيا هو تاريخ للخذي أدعت نصرة مظلوم أم محاربة إرهاب، وكل ما فعلته في الجزائر إبان ثورتها كان تحت شعار محاربة الإرهاب، من اغتيالات قادة الثورة الأوائل إلى استخدام الأراضي الجزائرية للتجارب النووية. توجه فرنسا اليوم إلى الشمال الإفريقي هو توجه استعماري نمطي لا يهدف إلا لحماية مصالحها الاستعمارية. و إن كان ثمة من يجب أن يحذر هذه الحركة الفرنسية فهي الجزائر تحديداً. و لا تنسى الجزائر أن ثمة من هددها، فهل كان بياع الغاز حمد بن جاسم، يهدد باسم قطر العظمى؟!‏

as.abboud@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية