|
الملحق الثقافي خاصة حول ما حملته الجغرافيا السورية من مآثر حافلة بالانتماء والوطنية العالية، واختص برقعة عزيزة وغالية، كما هي مساحات مناطقها ضمن حدودها المحمية بإنسانها الموغل في القدم، والمستمر وصولاً للحاضر المنظور والمستقبل الذاهبين جمعياً إليه، وحينما يشير باحثنا إلى السويداء النابتة من قمة جبل العرب الأشم، والمتدلية حتى سهول الشام وحوران، وما قدمته هذه المدينة من قيم فكرية، رمى بها قامات علمت وبصمت كأوابد شامخة شموخ سلطان باشا الأطرش، وكوكبته التي أجمعت عليه، وعملت معه كيد واحدة، الخ». كذلك تم إنجار هذا المؤلف برعاية كريمة من القنصل الفخري السوري في لاغوس– نيجيريا الأستاذ زياد صيموعة الذي أراد أن يقدم شيئاً لوطنه وثورته الوطنية التي حققت شعارها المنشود الدين لله والوطن للجميع، ولما للبيرق من أهمية في تاريخنا وتراثنا العربي الأصيل من فخر واعتزاز، خاصة حينما يمشي وترافقه المجاوز بأنغامها ومعزوفات الجردة والأهازيج والحداء التي من شأنها بث روح الحماس والوطنية والذود عن أرض الوطن بإرادة الرجال الشجعان الثائرين المدافعين عن الأرض
والعرض، والذي آمل أن يقدم أعمالاً توثيقية حول الحقبة التاريخية لمرحلة الاستعمار العثماني والبطولات الخارقة المترافقة مع الوعي الوطني، وكيف استطاع شيوخنا الثوار سد فوهات المدافع بالعمامات لدحره، ووقائع ومعلومات تدوينية من شأنها تقديم رؤية جديدة حول تلك الفترة وما قبلها لأننا نفتقر إلى معرفة تاريخ جبلنا في القرن التاسع والثامن عشر. يعد كتاب «بيارق في صرح الثورة السورية الكبرى» الواقع في أكثر من مئتي صفحة من القطع الكبير، ثمرة عناء ميداني لإعلاميٍ مجتهد أراد توثيق وتدوين لتاريخ بعد عن الساحة الإعلامية ولم تخرج مكنوناته إلى النور بشكل يجعل القارئ يستلهم التجديد في المعلومة سوى ما يقدم بين دفتي الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، ووثق مع لجنة جمع تراث الثورة السورية الكبرى ما قامت به من جمع بيارق وأدوات وأسلحة، في قرى المحافظة كافة استخدمها الثوار في معاركهم لدحر الاستعمار الفرنسي، بثورة شكلت منعطفاً في التاريخ العربي المعاصر بقيادة المغفور له سلطان باشا الأطرش....وإن اخذ المؤلف طابعاً رسمياً بمقدمات للسيد المحافظ، ورئيس لجنة جمع تراث الثورة السورية الكبرى..بدلاً من باحثٍ متخصص أو من الأدباء وأصحاب الرأي في البحث التاريخي.. اختار الكاتب العنوان «بيارق في صرح الثورة السورية الكبرى» وهو دلالة على المكان الجامع لهم، والمضمر فيه بطولات وتضحيات الثوار والأبطال، العنوان يجسد معاني النصر والتاريخ، لكنه تقليدي ويخلو من التميز والإبداع، وكنت أتمنى على المؤلف لو وضع عنواناً يحمل قيمة مضافة بدلالة معرفية وبعد اجتماعي وتاريخي لمضمونه بدلاً من حصره في البعد المكاني فقط لأن بيارق الثورة ووثائقها وعمل المجاهدين لم ينحصر في المكان، بل الثورة السورية الكبرى طرحت ثقافة جديدة في الوطنية والبطولة والفداء...إذ أهم ما ميز الحالة الثورية في حالتها الدفاعية والهجومية البيرق والثوار حرصوا أن يبقى البيرق مرفرفاً خفاقاً، ذلك لأنه استُخدم كثقافة اجتماعية نابع من عادات وتقاليد عربية لدحر الاستعمارين العثماني والفرنسي الحامل لرموز ودلالات ورؤى وانتماء، وقد افتخرت فرنسا بنفسها حين كسبت بعض تلك البيارق خلال معركة المسيفرة ووضعتها في متحف اللوفر دون نكران بسالة وبطولة حامليها واستماتتهم للدفاع عن وطنهم. ولأن البيرق يشكل في ثقافتنا التاريخية والمحلية رمزاً ثورياً حمل كل بيرق من البيارق الواردة في الكتاب شكلاً ورمزاً ومعاني، وهنا الكاتب لم يتطرق إلى فك عقد تلك الرموز ودلالتها، خاصة وأن كل قرية من قرى جبل العرب لها بيرقها الخاص بها الحامل لرموز وأشكال مختلفة عن غيره، وربما بحاجة إلى دراسة معمقة لتفسير معانيه وإن كانت بمضمونها تدل على إيمانهم بالنصر، ذلك لأن كل شكل أو رمز ينطوي على معنى وتحويله لكتابة يعنى الدخول في التوضيح والتفسير وفك المضمر الفكري فيه، والانتقال من تدوين الكتابة المعنوية ذات الدلالة إلى البحث في ماهية المعنى، وكذلك الانتقال التجريدي المتمثل بالكتابة الصورية والفكرة الحاملة لاعتبارات زمانية ومكانية وتاريخية إلى تجسيد ثقافة ثورية ذات خصوصية في توثيقها وتدوينها... إذ يذكر /يوهانس فريد ريش/ في كتابه تاريخ الكتابة الذي ترجمه الدكتور سليمان الضاهر وهو من منشورات وزارة الثقافة: إن الانتقال من الكتابة الصورية بالمعنى العام إلى الكتابة بالفكرة، يستلزم أن يكون قد ثبت في فكر حامل اللغة أن لكل رسم رمزاً معيناً ودلالة محددة، سواء أكانت كلمة مفردة أم عبارة، لأن الكتابة بالفكرة تشتمل على تفسيرات مختلفة للرموز المفردة، فصعوبة الكتابة بالفكرة، تأتي من ضرورة اعتبارها حلقة انتقال بين الكتابة الصورية، التي تحاول تدوين الفكرة بالمعنى العام والكتابة الحقيقية، فالتعبير عن المفاهيم المجردة يتم إما من خلال رسم موضوعات محددة تقترن بالتجريد أو بواسطة رموز اصطلاحية خاصة/ انتهى المقبوس/... من هنا يمكن القول إن البيارق في صرح الثورة السورية الكبرى التي رفعت أثناء الثورة وأصبحت في داخل الصرح، تحمل تعبيراً وطنياً، اجتماعياً، دينياً، ثقافياً، اكتسبت في تاريخنا وموروثنا الوطني والثقافي الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية والثقافية لما حملت من موضوعات تقترن بالتجريد أو الفكرة أو الانتماء بمعناه المجرد، فكم استشهد أبطال تحت رايته، وكم ثكلت نساء من أجله، ومن منا ينسى حادثة زوجة سلمان حمزة الملقبة بخنساء القرن العشرين من قبل المجاهد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر.... وهنا دلالة على أن التدوين بالكتابة يأتي في توضيح الفكرة المجردة لحادثة وقعت وأصبحت في ذاكرة التاريخ تدون وتوثق بسجل الخالدين... إن الكتاب بما يحمل من صفحات وصور ومقدمات ومواضيع صحفية وأخبار آنية عن تسلم بندقية أو أداة حربية من أحفاد وأبناء الثوار في قرى المحافظة، أي بمساحة المحافظة شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً، جعلنا نتذكر الأيام الماضية وعبقها البطولي، رغم انه يفتقر إلى المنهجية العلمية في التفصيل والتبويب، وينحو نحو الجمع والإعداد، ذلك لأنه ينقل الكاتب عن أهالي القرية الوقائع الجارية في كل معركة مدونة لديهم، بلغة مبسطة لا تحمل الإبداع، بل الإعلام السهل الممتنع والمتضمن نظرية التلقي والاستقطاب للقارئ، فلغة الكتاب تختلف بين نص وآخر فتارة نجدها تخصصية في التاريخ وتارة في الإعلام الخبري..... حاول الكاتب أن يقسم الكتاب إلى ملاحق وصور وشخصيات ووثائق، ذاكراً حفل نقل رفاة المغفور له سلطان باشا الأطرش واحتفاليته التي عرضت على شاشات التلفزة. لم يحسن المؤلف التصرف في الإعداد على شكل أبواب وفصول، ولو أراد لقسم ما دون وفق الحالة الجغرافية للمحافظة بجمع البيارق، ووضع فصلاً عن تراث الثوار حيث انتقل من الصفحة 42 عند بيرق قرية المشقوق واضعاً أحداث معركة استطاع فيها الشهيد يوسف حمد عبيد بقرمة «أي قطعة من سيف أعاره أياها المجاهد هلال فضل الله الشريطي خوض معركة الكفر، لينتقل بشكل فوري نحو تراث الثوار بادئ في بارودة المجاهد حمزة درويش وهنا كنت أفضل لو جعل تراث المجاهدين فصلاً مستقلاً، وكذلك نقل رفاة القائد العام للثورة السورية الكبرى بالتنويه عن فصل جديد، إضافة إلى عناوين وضعها الكاتب مثل /أوراق من سفر الثورة، ومحطات في مسيرة سلطان الأطرش، وشخصيات في تاريخ النضال الوطني وهو عبارة عن صور فقط / وصولاً إلى الاقتباس الوارد عن كتاب تاريخ رجالات جبل العرب بين الماضي والحاضر للأستاذ مهنا كرباج، ذاكراً عن بعض الثوار بشكل مقتضب، وكنت ارغب لو وضع تحت كل مجاهد صورته الواردة في متن الكتاب، ثم كرر الجمع بين أسماء الشهداء وصور المجاهدين مرة أخرى والبيارق والوثائق تحت عنوان الخالدون، إذ كان الفصل بينهم أكثر جمالية في التلقي...وعلى الرغم من خلو العمل المنهجية العلمية... ليأخذ الكتاب الشكل العلمي والمنهجي المعتاد....إلا أن الكتاب يسد فراغاً فيما أجهله من تراث ووقائع جرت في المحافظات السورية وهي ومضة إيجابية تحسب للمؤلف في تدوين معارك جرت في طرطوس وحلب وحماه وريف دمشق وغيرها من المواقع وارتباط الثوار بقائد الثورة لتطبيق شعار الثورة الوطني الذي نحتاجه اليوم وغداً /الدين لله والوطن للجميع/، كذلك هذه المحافظة العريقة بأهلها، الشامخة بجبلها، الواثقة بخطى رجالها، المزهوة بدماء شهدائها، الواضعة صفحات مشرقة في كتاب المجد والتاريخ، بعزيمة ثوارها ومجاهديها، غير متناسٍ معاناة كاتب وصحفي ميداني قدم جهداً كبيراً بصعوبة توثيق الخبر وتدوينه، ليحقق أن الصحافة هي مهنة المتاعب وصاحبة الجلالة والسلطة الرابعة، مؤكداً على أني أرغب أن يكون هذا الكتاب في كل مكتبة ومنزل لما له من أهمية في نشر ثقافة تراثنا العربي المعاصر، وتراث بيارق ورجال وصرح الثورة السورية الكبرى ورفاة قائدها المغفور له سلطان باشا الأطرش الرمز الوطني الباقي في سجل الخالدين بين الأبطال المجاهدين والقادة الثوريين في العالم الذي ناضلوا وضحوا دون مقابل بل من أجل تحرير البلاد واستقلالها لتبقى سورية حرة شامخة بجبالها وسهولها. |
|