|
شؤون سياسية ومنذ مطلع العام الماضي خصوصاً ولاسيما في خطابه الشهير في موينخ بألمانيا ومرسوم تعليق عضوية بلاده في اتفاقية الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا والمتوقع خروج روسيا منها نهائياً في تموز ,2008في حال امتنعت الدول الأوروبية وأميركا عن التصديق على تلك الاتفاقية,إضافة إلى سلسلة مواقف أعلنها واتخذها بهدف تعزيز مواقع روسيا على الساحة الدولية وإعادة مكانتها الطبيعية في السياسة الدولية,ناهيك عن المعارك الداخلية التي خاضها في مواجهة حيتان المال, الأمر الذي ساهم إلى حد ما في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتحسين المستوى المعيشي للشعب الروسي. فقبل أقل من شهر على موعد الانتخابات الرئاسية الروسية المقرر إجراؤها في الثاني من آذار المقبل والتي سيتنافس فيها أربعة مرشحين,وقبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته الثانية في مطلع أيار القادم حدد بوتين الملامح الرئاسية للسياسة الروسية للمرحلة القادمة على المستويين الداخلي والخارجي والتي اعتبرها البعض بمثابة برنامج عمل لخليفته القادم إلى الكرملين وميدفيديف والذي أيد تسلمه الرئاسة 82% من الروس وفقاً لاستطلاعات الرأي. وأكد الرئيس الروسي في الكلمة التي ألقاها في الاجتماع الموسع لمجلس الدولة الذي يضم في عضويته الوزراء وحكام الأقاليم وأعضاء البرلمان المكرس لصياغة نظرية التنمية في روسيا حتى ,2020على ضرورة تغيير النموذج الاقتصادي الحالي لبلاده والتحول من الاقتصاد الذي يعتمد على المواد الخام إلى اقتصاد المعرفة,مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة رفع فعالية عمل جهاز الدولة وتحسين المستوى المعيشي للشعب الروسي بشكل كبير. وبنبرة قوية,عدّد بوتين نجاحات عهده الذي استمر ثماني سنوات بذل خلالها جهوداً جبارة وعملاً مضنياً لانتشال روسيا من الحالة التي عرفتها خلال السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي,أصابت الدولة الروسية بالشلل التام وتحديداً في المجالين الاقتصادي والاجتماعي,وإن كان بوتين أشار إلى ما تحقق وهو كثير جداً,إلا أن الحفاظ على ما تم إنجازه ليس هو المهم,بل التطلع نحو الأفضل يبقى الأساس في سعي روسيا التقدم إلى الأمام وعدم الوقوف على قارعة الطريق,بل المساهمة وبفاعلية في الحضارة العالمية من خلال تحولها إلى الاقتصاد المعرفي والاستفادة من ثورة المعلومات,كي لا تظل مجرد تابع يتزود منه من يشاء بالمواد الخام وشراء ما يحتاجه من مواردها الطبيعية,محدداً أولويات أجندة الدولة في إنشاء قطاع طاقة حديث يكون الأفضل في العالم,وبناء مؤسسات للاستخراج والتكرير تعتمد على التكنولوجيا العالية,والاستفادة من الخبرات المتراكمة في روسيا والاعتماد على الموارد لدخول نوعية جديدة لتطوير البلاد,وتحويله إلى بلد جذاب أكثر من غيره من البلدان,ولاسيما من ناحية المستوى المعيشي,وزيادة نصيب الطبقة الوسطى في المجتمع الروسي إلى 60-70 في المئة. وعلى غرار حماسته التي باتت معتادة في خطبه,حذر بوتين من سباقٍ جديدٍ يبدأ في العالم,وبالتالي فإن بلاده مضطرة للرد على ذلك بأسلحة جديدة ذات تكنولوجيا متطورة دون أن يحدد نوعية وطبيعة هذا السلاح,وانتقد الولايات المتحدة وحلف الأطلسي من التوسع في اتجاه الحدود الروسية,متهماً إياها بمحاولة إضعاف روسيا والوصول إلى مواردها الهائلة من الطاقة,وقال الرئيس الروسي:(إن حلف شمال الأطلسي يتوسع ويقترب ببنيته التحتية العسكرية من حدودنا,لقد أزلنا قواعدنا في كوبا وفيتنام,فعلام حصلنا في المقابل?قواعد أميركية جديدة في رومانيا وبلغاريا وستنشر عناصر من الدرع المضادة للصواريخ في بولونيا والجمهورية التشيكية..). وحمل الرئيس الروسي خلال خطابه الذي استمر 45 دقيقة وقاطعه الحضور خلاله نحو 12 مرة بالتصفيق,على التدخل الأجنبي في شؤون روسيا الداخلية,لاسيما لجهة التشكيك الغربي في نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة,وقال:(إن محاولات التدخل الأجنبي في مسار المعارك السياسية داخل روسيا ليست لاأخلاقية فحسب,وإنما أيضاً غير قانونية). وفي محاولة منه لتجنب ما قد يعتبره البعض خطاباً دعائياً أكد بوتين:( ما أقوله اليوم,ليس مجرد أقوال عشية الانتخابات,هذا ليس شعاراً انتخابياً,إنه ضروري جداً لتطوير البلاد). وبغض النظر عن سياق ما جاء في قول الرئيس الروسي ودفاعه عن خطابه, إلا أن ثمة رسالة واضحة أراد بوتين إرسالها في اتجاهات مختلفة وإلى عناوين متعددة وتحمل معاني ودلالات واضحة. فعلى المستوى الداخلي: 1- المساهمة في الحفاظ على شعبية حزبه (روسيا الموحدة) لضمان استمراره في السلطة لفترة طويلة,معولاً في ذلك على التأييد الشعبي الكاسح الذي يحظى به شخصياً,بما أن أغلبية الشعب الروسي يرى في بوتين الضامن لمستقبلهم,وينسبون إليه فضل إحلال الاستقرار والازدهار الاقتصادي الذي شهدته روسيا في السنوات الماضية,دون النظر إلى مزاعم ما يسمى بالتيار الليبرالي المعارض حول الديمقراطية في روسيا. 2- وإن كان الرئيس الروسي ينفي تغليف خطابه بتهم غير حقيقية رافضاً اعتبار الخطاب مجرد شعارات انتخابية,إلا أن ذلك لا يقلل من مصداقية توجه الرئيس الروسي وخلفه القادم في إعادة المكانة الطبيعية لروسيا,ولاسيما أن بوتين سيشرف على تنفيذ ما جاء في خطابه,حيث أعلن في وقت سابق استعداده لتولي منصب رئيس الحكومة الروسية في حال فوز ميدفيديف. 3- يستشف خلال تحديد الفترة الزمنية ب 12 سنة,أن عودة بوتين إلى سدة الرئاسة في عام 2012 باتت شبه مؤكدة وإذا لم تتحقق هذه العودة بعد أربع سنوات على ولاية ميدفيديف,فستحصل في عام ,2016أي بعد أن يمضي الرئيس الجديد ولايتين دستوريتين. 4- إن قوة الخطاب وما تضمنه تخلق حالة من الاطمئنان لدى الشعب الروسي,بأن الفريق الذي قاد روسيا خلال السنوات الثماني الماضية,سيستمر في الحكم خلال السنوات القادمة,ولن يسلم زمام الأمور لمن أرادوا هلاك روسيا وشعبها,إلا في حال طرأت تطورات غير محسوبة ومرئية على المدى القريب. أما على المستوى الخارجي: فالخطاب رسالة واضحة لمن يهمه الأمر في عواصم القرار الدولي,وتحديداً واشنطن مفادها,أن السياسة الروسية ستتواصل على النهج ذاته الذي بدأه بوتين وبقوة أكثر من السابق. على أي حال مهما كانت دوافع الخطاب,وحتى لو تم توظيفها من أجل حملة انتخابية,إلا أن كل ذلك لا يقلل من الحماسة القوية لدى فريق عمل بوتين في نقل روسيا إلى مواقع متقدمة تليق بها وسمعتها وتاريخها وإرثها الثقافي ومخزونها الفكري والأدبي,فالشعب الروسي بمقدوره تحقيق ذلك,ليتبوأ المراكز المتقدمة عالمياً سواء أكان على المستوى الداخلي أم على المستوى الخارجي,وكما يقول المثل الشائع لا يصح في النهاية إلا الصحيح,ولا عودة إلى الوراء بالمطلق,وما حدث في التسعينيات من القرن الماضي بات من المخلفات,والشعب الروسي وإن لم ينس تلك الفترة العصيبة,إلا أنه جعلها وراء ظهره,فهو ينظر إلى الأمام بتفاؤل كبير. |
|