|
فضائيات أم أنه يجب علينا حقاً الاكتفاء بالمقارنة مع الشاشات و القنوات الرسمية المشابهة لها ? أم أن منطق و منهج المقارنة ظالم بطبيعته لأنه يلغي مجموعة هائلة من الشروط و الظروف الخاصة التي تعمل فيها كل فضائية ? أنا شخصياً ضد مبدأ القياس لأنه يحجر الوقائع المستجدة عند حدود النماذج المعطاة , و أساند بقوة مبدأ الاجتهاد , لأنه يفسح المجال أمام التجريب و بناء نماذج جديدة , لكنني في الوقت نفسه مقتنع بوجود عتبات نوعية تتطلب مهارة الاستقراء الهادف إلى بناء رؤية وظيفية للإعلام المتلفز بشكل خاص و للإعلام بشكل عام . هذا يعني أنه من المشروع تماماً أن نسأل أنفسنا لماذا نضغط جهاز التحكم على قناة ما فور سماعنا بوقوع حدث مهم , و لماذا نختار قناة ما و نتعلق بهذا البرنامج الذي تبثه و أحياناً ننتظره بشغف , و لماذا تحدث تلك المفارقة الرهيبة عندما يتابع الإعلاميون و حتى المسؤولون عندنا أحداثاً على الشاشات و القنوات الأخرى متجاهلين تماماً شاشتهم ? هنا لا يتعلق الأمر بالمقارنة و لا بالظلم , بل يتعلق بجوهر الإعلام و صميم المهنية الإعلامية و تأتي المقارنة كشكل زائف لجوهر الإشكالية المتعلقة بقدرة مؤسساتنا الإعلامية على مواكبة الأحداث و تقدير مستوى أهميتها و ضرورة إشباعها خبراً و تحليلاً و تعليقاً و حواراً , ليس فقط من زاوية المضمون و إنما أيضاً من حيث الشكل و التقنية . أعتقد أننا سنظلم أنفسنا , كإعلام و كمجتمع , إذا قارنا بين ما كان و ما صار , لأن ما استجد إذا لم يتجاوز عتبة معينة سيبقى مجرد رتوش على اللوحة المهترئة , و سيظل نوعاً من سباق السلاحف مع جياد أسرع من الريح في السهول . المطلوب , بل الواجب يفرض علينا الاستقراء , أي دراسة و تقييم تجارب الآخرين الناجحة و المبدعة , لا لتقليدها أو استنساخها مع أن ذلك في حد ذاته ليس عيباً أو نقيصة , و إنما للإجابة في الحد الأدنى على تصرفاتنا العفوية أحياناً و المدروسة أحيانا أخرى التي تتجاهل قنواتنا في اللحظات الحاسمة و تلجأ إلى تلك التخوم القصية لتروي منها ظمأها . بالتأكيد لن نقارن قنواتنا بالقنوات الرسمية الأخرى , و لا نريدها أو الأصح لا نطالبها أن تستنسخ تلك النماذج الفعالة و الناجحة , ونأمل ألا تقارن نفسها بنفسها بين الأمس و اليوم حتى لا تتمرى بمرآة ذاتها , لكننا نطالبها بالضبط أن تقوم بكل ذلك في آن معاً , اجتهاداً لا قياساً , استقراءً لا مقارنة , عساها تستطيع تقديم إجابة شافية على تصرفاتنا العفوية كمواطنين و مشاهدين . |
|