|
مراسلون نظراً إلى كون هذا الأسلوب يوفر كميات كبيرة من المياه ويمنعها من التبدد، ولا نبالغ لو قلنا: إن هناك من يشير منذ سنوات، إلى أن ثمة أساليب جديدة قد تشق طريقها في الدول المتقدمة، وهي قد تفوق في حداثتها حتى أساليب الري الحديثة التي لم تصل إلى مزارعينا بعد. وقبل الحديث حول أسباب قصور هذا النمط من الري في سورية، يتعين إطلاق الأسئلة الآتية: ما حقيقة أرقام الري الحديث، وإلى أين وصلنا في المساحات المزروعة بهذا النمط من الري؟ ومن المسؤول في هذا الجانب.. الجهات المعنية في الحكومة ومؤسساتها، أم أصحاب الأراضي الزراعية؟ وهذه التقنيات ..هل تتوفر في السوق المحلية ويمكن العمل على تصنيعها.. أم ثمة ضرورة لاستيرادها من الأسواق الخارجية بالعملات الصعبة؟! قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من القول وبكثير من الحسم: إن الري الحديث في سورية شكل وخلال ربع القرن الماضي حضوراً نظرياً فقط، أي هذا الحضور لم يتحول إلى فعل شخص، ففي تصريح رسمي لأحد المعنيين، أشار إلى أن مشروع الري الحديث ومنذ إطلاقه فعلياً أواسط عام 2006، يستهدف تحويل مساحة (2،1) مليون هكتار إلى الري الحديث، وأن ما تحقق إلى الآن لايتعدى مساحة (35) ألف دونم. ومن المفيد التذكير أن وزارة الزراعة كانت قد أعلنت عن المضي في هذا النمط من الري منذ نحو ربع قرن ، كما سبق وذكرنا، ولأن الحصاد لم يكن مشجعاً، فهي بادرت بتشكيل جهة أطلق عليها مشروع الري الحديث، بمعنى أن الرقم المذكور هو حصيلة نحو عقدين من الزمن وليس مجرد عدد من السنوات، وفيما لو مضت عمليات التحول إلى الري الحديث بذات الوتائر، فذلك يعني أن تحويل كافة المساحات الزراعية، سيكون بحاجة إلى فترة زمنية طويلة جداً. وربما من يعود إلى بعض التصريحات الرسمية التي كانت تطلق من خلال الندوات والمحاضرات والمؤتمرات الفلاحية منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، سوف يأخذه الاعتقاد، أن الري الحديث شق طريقه إلى غالبية المساحات الزراعية، وأن الري بوسائله وطرقه القديمة ذهب إلى ساحة النسيان.. هذا الاعتقاد الذي وصل إلى حدود الرسوخ في أذهان الكثيرين، غير أن الأمر لم يكن على هذا النحو أبداً، وبالتالي، فإن الأرقام التي كانت تصدر عن هذا المسؤول أو ذاك، وتبعث على التباهي والتفاخر، هي أرقام لاأساس لها من الصحة. وللإجابة على الأسئلة التي سبق وأطلقناها في هذا الموضوع، نقول: المعلومات والأرقام التي بين أيدينا، تشير، إلى أن المزايا والتسهيلات الممنوحة من جانب صندوق الري الحديث الذي أحدثته وزارة الزراعة، تمنح المزارعين حسومات تصل إلى حدود (40) بالمئة في إجمالي أسعار المستلزمات والتجهيزات.. طبعاً هذه الميزة تمنح للمزارعين الذين يقومون بتسديد كامل المبلغ نقداً وليس من خلال التقسيط، لكن رغم هذه المرونة التي لا تخلو من الإغراءات ، فإنه ومنذ تأسيس صندوق الري الحديث عام 2006 ، فإن أحجام القروض الممنوحة للمزارعين ما زالت متواضعة وأقل بكثير من الطموح ، إذ لم تتجاوز ولغاية الشهر التاسع من العام الجاري رقم (623) مليون ليرة.من أصل الرأسمال الإجمالي للصندوق والبالغ (52،2) ملياراً. وفي حال الأخذ بالرقم المذكور، نجد أن هناك مشكلة فعلية لا تشجع المزارعين على استجرار أو سحب القروض، وبالاتكاء على المتابعات المستمرة للمواقف والآراء التي تصدر عن المزارعين، فإن الاستنتاج الوحيد الذي خرجنا به ، أن المشكلة ومن ألفها إلى يائها، تعود إلى عدم رسوخ ثقافة الري الحديث في أذهان المزارعين، نتيجة انعدام الوعي والثقافة الزراعية، إلى جانب أن البعض لا تتوافر لديهم السيولة المالية التي من شأنها تسديد أثمان المستلزمات والتجهيزات. مثل هذه الآراء أو المواقف، كانت وما زالت تتداول وبكثافة في المنابر الإعلامية الرسمية.. لكن وبعد التقصي واستبيان حقيقة الأمر من بعض المزارعين تبين أن بعض المزارعين سبق لهم أن بادروا وبكثير من الحماس في التحول إلى الري الحديث، انطلاقاً من القناعة الراسخة ، بأن التقنية الجديدة لا توفر فقط نسبة عالية من المياه تصل إلى حدود(50) بالمئة، وإنما أيضاً تضاعفت إنتاجية الغلات الزراعية، غير أن الأمر الذي لم يكن في الحسبان- حسب من قابلناهم- أن التجهيزات والتقنيات التي استخدمت كانت منخفضة الجودة وكثيرة الأعطال. وبحاجة دائمة للصيانة والإصلاح واستبدال بعض القطع المستخدمة، وذلك على الرغم من أثمانها وتكاليفها المرتفعة، وبهذا المعنى ، فإن المشكلة الأساسية - حسب رأي البعض- تتمثل في انعدام الثقة بجودة المستلزمات والتجهيزات المتوفرة في السوق المحلية. والمزارع العادي ليس على استعداد لشراء تجهيزات تعاني من عيوب فنية، عرضة بشكل دائم للأعطال. ووجه المفارقة في هذه الحقيقة: هناك من يكيل المديح لهذه الصناعة، وهناك من يرى أن حضور أكثر من (30) شركة محلية متخصصة في هذه الصناعة ، يسهم وإلى حدٍ كبير في الانتقال إلى الري الحديث. وهذا الرأي قد لا يجافي الحقيقة، لو أن هذه الصناعة تمكنت من كسب ثقة المزارعين ورضاهم. وبالمناسبة إذا كانت الجهات القائمة على الري الحديث جادة في تصويب هذا الجانب.وهي مطالبة ومن خلال التنسيق مع وزارة الصناعة بالإشراف على الشركات المصنعة ومراقبتها، بهدف الوصول إلى تقنيات ذات جودة عالية تحاكي مثيلاتها في دول العالم.وفي حال غضت الجهات الرسمية الطرف عن هذا الجانب، فذلك سيعني ليس فقط إحجام المزارعين عن شراء هذه المستلزمات ، وإنما أيضاً اضطرار أصحاب هذه المصانع في القطاع الخاص إلى إغلاق منشآتهم والتوقف عن الإنتاج ، لأنها قد لا تجد في المستقبل من يرغب في الشراء، داخل القطر لا خارجه ، وبالمناسبة هناك من يرى من المزارعين ، أنه وبعد الارتقاء بصناعة التجهيزات والمستلزمات. يتعين أيضاً على القائمين على صندوق الري الحديث، ليس فقط تقديم حسومات على القروض للذين يسددون الأثمان نقداً، وإنما لا بد أيضاً من تقديم هذه الحسومات المشجعة للذين يرغبون بتقسيط هذه القروض، انطلاقاً من كون غالبية المزارعين قد لا تمكنهم قدراتهم المالية من تسديد القرض الممنوح نقداً، والاستجابة لمثل هذا المطلب، من جانب الجهات الرسمية، نعتقد أنه أكثر من ضروري نتيجة مجموعة اعتبارات، أبرزها: أن المخزون المائي في باطن الأرض ليس مشجعاً نتيجة تراجع كميات الهطل المطري خلال السنوات الأخيرة ، يكفي التذكير أن الموسم الزراعي الفائت كان أشبه بالكارثة الزراعية لجهة الكميات المنتجة من بعض أصناف المحاصيل ،وانطلاقاً من هذه الحقيقة وغيرها، نعتقد أنه ليس هناك ما يمنع من تقديم المزيد من التسهيلات للمزارعين ما دامت ضمانات تحصيل هذه القروض متوفرة. |
|