تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أراغون.. بين حبّين

عن «لوموند»
ثقـــافـــة
الأثنين 22-12-2008 م
ترجمة: حسن حسن

«إنه أنقى شاعر بيننا، حين يشاء» بهذه الكلمات، كان اندريه بريتون يعبر لأصدقائه عن اعجابه الشديد بالشاعر الذي جمعته وإياه الصدفة في غرفة واحدة عام 1917 في ثكنة «فال -دي - غراس» العسكرية حين كانا شابين.

ولد آراغون عام 1897، درس الطب ثم تركه واتجه إلى الكتابة والصحافة فساهم في تحرير عدد كبير من الصحف والدوريات، عمل في - الايمانيته- وفي مجلة -الكومون- كما ترأس إدارة - الآداب الفرنسية - وكان مديراً لتحرير صحيفة - هذا المساء-.‏

ساهم في نشأة المذهب السوريالي، وكان في طليعة السورياليين مع بريتون وابولينير وبول ايلوار ومن كتاباته السوريالية - حرية الفكر - موجة الأحلام- الحركة الدائمة - وفلاح باريس.‏

لكن تغزله بالسوريالية لم يطل، فبدأ ومنذ عام 1924 بالتحول عنها مستغرقاً في قراءة الفكر الماركسي، فعمل في السياسة وانتسب إلى الحزب الشيوعي الفرنسي عام 1927، وفي نفس العام يسافر إلى اسبانيا ويقوم برحلة إلى غزناطة ومدريد ويعود ليلتقي - بماياكوفسكي- شاعر الثورة الروسية الذي كان يدعو إلى الشعر الملتزم برسالة اجتماعية، ومع هذا الاتجاه كانت ولادة الواقعية الاشتراكية التي جاءت حصيلة النظرة الماركسية إلى الفن والأدب، ولقد اختلفت الواقعية الاشتراكية عن الواقعية الأوروبية في بعض النقاط وخصوصاً الرؤية المستقبلية المتفائلة للواقعية الاشتراكية ومن هنا اختلف الوجوديون مع الواقعيين، عندما أعفى الوجوديون الشعر من الالتزام.‏

آراغون هو من القلائل الذين صمدوا حتى النهاية في مواجهة كل العواصف والأعاصير التي هبت على الشيوعية داخل فرنسا وخارجها، أحياناً كان يستاء من تصرفات موسكو السياسية، وخاصة بعد ما حدث لالكسندر دوبشتيك في تشيكوسلوفاكيا، ولكنه لم يعد النظر أبداً في انتمائه إلى الحزب الشيوعي الفرنسي.‏

كتب آراغون في مرحلته الواقعية عدة روايات منها «أجراس بال» عام 1934 و« الأحياء الجميلة» عام 1936، وإن كان عرف كيف يتجنب فخاخ الرواية الهادفة.‏

أما الحدث البالغ الأهمية في حياة آراغون كشاعر وكإنسان والذي كان بمثابة البعث المعنوي والشخصي والجمالي، فهو لقاؤه «الزاتريولييه» حيث يقول: «لم أكن قد فهمت بعد أن امرأة يمكن أن تلخص لي العلاقات الإنسانية وتلقي عليها الضوء، وأنها سوف تجعلني من الآن فصاعداً أقوم بتجربة ما يستحق ومالا يستحق» لقد جاءت «الزا» لتملأ فراغه السحيق بعد انقطاعه عن السوريالية وسط قلقه المرير، لترد إليه طفولته وأحلامه الضائعة ولتلهمه أجمل قصائده في الحب على مدى أربعين عاماً، حتى أصبحا خلالها روحاً واحدة يجمعها نفس الاهتمامات ويدافعان عن نفس القضايا وقد أمده حب «الزا» بعديد من الموضوعات التي عادت به إلى الشعر الكلاسيكي و الشعر الشعبي، ومن هذه الانطلاقة كتب دواوين منها: «مجنون الزا» و«عيون الزا» و«حتى آخر قطرات العمر».‏

ربط آراغون بين حب «الزا» وحب الوطن، وعكست «عيون الزا» آلام فرنسا.‏

وتجسدت في «الزا» تضحية الوطنيين والنساء، لكن الشاعر لم يجعل من حب «الزا» ملاذاً يهرب إليه من الواقع، بل جعله الدافع لهذا العناء المتصاعد إلى شفتيه، والتغني بـ«الزا» سار جنباً إلى جنب مع صراع آراغون ضد الفاشية الهتلرية وتأليهها للإنسان المتفوق، وعارض الشاعر مفهوم الفاشية من خلال الغناء الوطني المستعار، ومثالية فرسان المائدة المستديرة والحب العذري القائم على تقديس المرأة واحترامها.‏

وكما كان لوي آراغون عنيداً في شيوعيته، كان كذلك عنيداً في حبه المجنون لالزاتريولييه، الروسية الأصل التي أحبها وغناها وتقاسم معها المجد والدفء والجنون وكان القلق الذي ظهر في مؤلفاته هو صورة عن القلق الذي عاشه آراغون وعاناه في حياته عميقاً وهو كما يقول عنه روجيه غارودي «الشخص الذي يحمل دائماً الشيء ونقيضه».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية