تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بين التركة الثقيلة.. والوعود الانتخابية!!

دراسات
الاثنين 22-12-2008م
محمد عبد الكريم مصطفى

السؤال الذي كان يتبادر لذهن أي متابع للانتخابات الرئاسية الأميركية: إلى أي مستوى سيحصل التغيير في السياسة الأميركية فيما لو نجح المرشح الديمقراطي «أوباما» الذي اعتمد التغيير شعارا لحملته الانتخابية؟

وبعد أن فاز أوباما بفارق كبير قل أن يحصل في انتخابات رئاسية أميركية وبمشاركة شعبية واسعة، السؤال الآن: هل سيعمل الرئيس الجديد الذي سيدخل البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة على تنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابية الذي كان التغيير شعارا عاما لها، وهل سيسعى مع فريقه المتنوع الألوان والاتجاهات والرؤى على السير بعكس اتجاه النهج الذي كانت تسير عليه إدارة بوش المغادرة، وهل ستتمكن إدارة أوباما من تبييض وجه أميركا الذي وشحه صقور الإدارة السابقة بالسواد على مدى ثمانية أعوام مضت من جهة، وأن تتجاوز الفشل الذي واجهته المخططات والسياسات الأميركية سواء على الساحة الأميركية الداخلية أو في مجال السياسة الخارجية التي كانت نتائجها سلبية على المصالح الحيوية الأميركية من جهة ثانية؟‏

أسئلة كثيرة ومتنوعة تدور في ردهات السياسة تنتظر الزمن ليجيب عليها بدقة، لكن بكل تأكيد هناك نظرة تحليلية متفائلة للمرحلة القادمة باتجاه حصول بعض التغيير في السلوكيات الأميركية لأن دورا متزنا للولايات المتحدة الأميركية كدولة عظمى وقوة اقتصادية وعسكرية هامة لابد أن يعطي ارتياحا عاما في الساحة السياسية العالمية، بعد أن تمرد العالم على ماسمي نظام القطب الواحد بزعامة أميركا، وإن ظهور قوى عالمية كبرى على الساحة الدولية سيخلق توازنا جديدا ما بين هذه القوى ويعيد للمنظمات الدولية بعض الدور الذي سلب منها على مدى عقدين من الزمن تقريبا وبالتحديد منذ انهيار المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، حيث تفردت الولايات المتحدة بقيادة العالم وفرضت سياستها الاستعمارية التخريبية دون أن تعطي للرأي العام العالمي أي أهمية، وأخذت تمارس سياسة الهيمنة من خلال اعتماد القوة العسكرية وبث الفوضى في التجمعات التي تعارض الإدارة الأميركية وسياساتها الغبية، هذا الواقع السيئ ساعد الرئيس أوباما في حسم المعركة الانتخابية لأن الشعب الأميركي كان المتضرر الأكبر من سياسة إدارة الرئيس بوش، وكان يرى أن نجاح المرشح الديمقراطي سيحيد العالم من كوارث اقتصادية وسياسة عديدة بدأت تظهر بشكل سريع على الساحة الأميركية وأخذت ترخي بآثارها السلبية على الساحة العالمية.‏

السؤال الذي يفرض نفسه علينا كمتابعين ومواطنين عرب: هل سيتمكن الرئيس المنتخب أوباما أن يغير السياسة الأميركية تجاه قضية الشرق الأوسط التي تحتل مكانا مميزا على خارطة النزاعات العالمية؟ وكان قد عبر عن ذلك الرئيس بوش صراحة عندما قال:« إن منطقة الشرق الأوسط من أهم مناطق العالم بالنسبة للأمن القومي الأميركي». لكنه تعامل مع هذه المنطقة بعقلية رعاة البقر فكانت النتائج كارثية على المنطقة وعلى الأمن القومي الأميركي بآن معا، وقد فشلت كل المساعي الوهمية التي كانت تدعي الإدارة الأميركية المغادرة أنها تبذلها من أجل السلام في المنطقة كما عجزت عن تحقيق أي تقدم فعلي في مجال الوعود التي أطلقها الرئيس بوش بحل تلك القضية وإقامة دولتين: فلسطينية وإسرائيلية جنبا إلى جنب قبل نهاية ولايته نظرا لعدم وجود إرادة صادقة عند الإدارة الأميركية لتحقيق السلام من جهة، ولغياب الدور الأميركي الراعي بشكل فاعل ومحايد من جهة أخرى، بل على العكس من ذلك تماما كانت إدارة بوش تدفع حليفتها «إسرائيل» باتجاه التصعيد وافتعال الأزمات الجديدة بشكل دائم لتتنصل من بعض الالتزامات التي قطعتها على نفسها في مراحل سابقة، وتحرضها على الاستمرار في التمرد على القرارات الدولية ذات الصلة، وأخيرا قامت إدارة بوش بإلزام حكومة الكيان الصهيوني بافتعال معارك جديدة مع العرب لم تكن مؤهلة ذاتيا لها، كم حدث في تموز 2006، كما أنها مارست ضغطا كبيرا على حكومة أولمرت للتصعيد مع الفلسطينيين وساهمت بالتالي بشكل مباشر في شق الصف الفلسطيني الداخلي من خلال الضغط على السلطة الفلسطينية لتعطيل البرلمان المنتخب ديمقراطيا ومنعها من تحقيق المصالحة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى المقاومة للاحتلال، ما أدى إلى توسيع الهوة بين الأشقاء الفلسطينيين على الساحة الواحدة، كما تعمل الآن للتضييق على حركة حماس التي تمثل غالبية الشعب الفلسطيني من خلال الحصار الظالم الذي تمارسه إسرائيل بمباركة أميركية على قطاع غزة وبعض المناطق الفلسطينية الأخرى، لأن إدارة الرئيس بوش لم تكن تؤمن بالسلام كحل موضوعي لمشكلات المنطقة وشعوبها.‏

يجب ألانغالي في تفاؤلنا تجاه رغبة الرئيس المنتخب على تغيير السياسة الأميركية من معادية للعرب إلى حليفة لهم ومدافعة عن حقوقهم، لأن هذا ضرب من الخيال الوهمي ، لكن على أقل تقدير هناك بعض الأمل في أن تكون السياسة الأميركية خلال الأعوام القادمة معتدلة في تعاملاتها مع قضايا المنطقة وفي مقدمتها قضية الصراع العربي- الصهيوني، بعد أن ثبت لخبراء السياسة والحرب في الولايات المتحدة الأميركية بأن عهد التفوق الإسرائيلي على العرب وعهد الجيش الذي لايقهر وزمن الانتصارات الكبرى لإسرائيل قد ولى إلى غير رجعة ، بعد أن تعززت الثقة لدى الشعوب العربية بثقافة المقاومة ونتائجها المشرفة.‏

Email:m.a. mustafa ">@mail-sy‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية