تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هؤلاء الأحرار!

آراء
الاثنين 22-12-2008م
نصيحة بقلم: أكرم شريم

كان إنساناً ذلك التاجر، يحب العطاء كما يحب الأخذ، والأكثر أنه يحب التبادلية العادلة بين الأخذ والعطاء،

شاهد ذات مرة محاسباً ماهراً يعمل على آلته الحاسبة بنشاط ملفت وكان فاقد البصر فقال في سر نفسه: إذن يمكن لفاقدي البصر أن يعملوا مثله، وبهذا النشاط الملفت أيضاً! وشاهد مرة رجلاً معوقاً يتحرك على كرسي يبيع الزبائن في دكانه في إحدى القرى، ومرة ثالثة امرأة ضعيفة الحركة تخدم الأطفال وتختبئ من العيون، ذلك أنها كانت معوقة في الشكل دون المضمون، إذ يظهر عليها ضعف الحركة وكأنه شبه بلاهة وكم كانت تكره ذلك!‏

وفكر هذا التاجر: إنهم يعملون إذن!.. ويعملون بنشاط واجتهاد وحيوية، وبحب للعمل خاص بهم، لأنه الدفاع الوحيد المشروع عن النفس والعقل والحياة معاً، فلماذا لا نجمعهم في عمل كبير وعام؟ وكانت أول مؤسسة استهلاكية خاصة بهم.. فكل البضائع أمامهم والثقيل منها تحت والخفيف فوق، ولكل منهم عمله حسب نوع إعاقته وبعد التدرب عليه طبعاً، وكان المحاسب الماهر، الفاقد البصر والمضاعف البصيرة في مقدمة الجميع وأول من يواجهك خلف صندوقه حين تدخل تلك المؤسسة، وكان من يرى منهم يعمل ولا ينقصه شيء أو عقل أو تفكير، فقط الحركة ضمن الكرسي ولا غير.‏

وكانت الفرجة على هذه المؤسسة الكبيرة العامة والتي لا تحتاج إلى شيء إلا وتجده فيها، سبباً وجيهاً لهذا الازدحام الكبير من الزبائن والمتفرجين والمتفرجين الذين سرعان ما يتحولون إلى زبائن!‏

ولم تمر أسابيع حتى نشأت إدارة عامة... مدير ومجلس إدارة لهذه الخلية البشرية التجارية الحيوية من المتحررين من الإعاقة وفقرها وعزلتها، وكان الحب للعمل، والإخلاص فيه عندهم أكثر من أي مؤسسة أخرى! وظهرت سيارات لنقل الموظفين والموظفات والسيارة قسمان: الأول للركاب والثاني للكراسي التي تصعد بأصحابها على جناح خاص إلى الداخل يفرد ثم يطوى ونشط العمل الإداري وصارت له أذرع تبحث عن مقرات وأعمال في المدن الأخرى ثم في الأقطار الأخرى.‏

وتساءل هذا الرجل الإنسان أخيرا: ألا يمكن أن يحدث ذلك مع هذه الفئة من الناس (الرياضيون: ذوو الرياضات الخاصة) وكان الجواب: نعم! يمكن ذلك! من هنا كانت النصيحة: طالما أن الجواب نعم... وذلك ممكن، فلماذا لا يكون؟ لماذا لا يحدث هذا التحرر ومن كل الإعاقات في حياتهم وحياتنا؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية