تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صرخة حذاء.. من أجل التاريخ والحقيقة

آراء
الاثنين 22-12-2008م
أحمد صوان

«الصمت لم يعد ممكناً» هذا المبدأ يلازم الصحفي دائماً في مهماته وفي دوره وفي وظيفته، وفي رسالته المهنية.. إلا أن هذا المبدأ بالنسبة للصحفي العراقي منتظر الزيدي قد طفح به إلى حد أنه مارس وبشكل عملي وملموس ما بعد هذا المبدأ،

حين وجد نفسه وفي ظل أكاذيب وأضاليل وعمليات خداع، فضحها وكشف عنها في مهماته الصحفية على أرض العراق أن السبيل الوحيد للرد على كل هذه الألاعيب الأميركية لا يكون إلا باستهداف رأس الإدارة الأميركية جورج بوش بفردتي حذاء، سيكتب التاريخ عنها كثيراً، ولن تتوقف المسألة برحيل بوش عن الإدارة الأميركية، ومع هذا فإن ما قيل عن هكذا عمل بطولي، سيقال عنه أكثر فأكثر مع امتداد الزمن واتساعه حيال كل الطغاة والغزاة، ولن يكون بوش سوى حالة تعبير وتجسيد واحدة من اولئك الذين يزرعون الموت والفتن والقتل والتهجير بذرائع واهية عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى آخر هذه المعزوفة التي مل الصحفي العراقي منتظر الزيدي من فضحها في مهماته وفي رسائله الصحفية وفي كتاباته، وهو يرى بأم عينه ماذا فعل الاحتلال الأميركي بأهله ووطنه وبلاده، وبذلك تجاوز مهنته الصحفية من أجل أن يرسم معالم حالة متميزة ومتقدمة ضد الاحتلال، كما يرمز إليه بقساوة وبغض وكراهية وعدائية الرئيس الأميركي جورج بوش، فكانت قصة فردتي الحذاء قصة بطولة من نوع يفوق بعض حكايات نضال الشعوب، وقصص البطولات التي تزرع في الأرض تروي لكل الأجيال أن حبل كذب الاحتلال قصير، وأن مواجهة كل ادعاءات المحتلين تكون بكل الأساليب والوسائل والامكانات، مهما كانت متواضعة وبسيطة.‏

بالحذاء يسقط بوش، ويرحل عن الإدارة الأميركية، ويغادر العراق وفي نفسه لوعة حيال كل ما ارتكبه من جرائم ومجازر، استطاع في النهاية، أو الحصيلة هذا الشاب البطل الصحفي منتظر الزيدي أن يضع حداً ما بين الوهم والحقيقة، ما بين الاحتلال والمقاومة، أو ما بين سياسة الغزاة والمحتلين، وسياسة الشعب والمقاومة، بكل عفوية وصدق وبخطوة على نحو مبادرة جريئة وبطولية، هي في كل الحالات ضوء ساطع من ابداع نضالي حين وجد ضالته في الرد على أكاذيب الطاغية بوش بفردتي حذائه، يسددهما، كصاروخين في وجه بوش، تعبيراً عن غضب لا يمكن أن يتوقف إلا بفعل محسوس وملموس، فكانت الضربة ومعها الصرخة التي هي صرخة كل الشعب العراقي والعربي في مواجهة الاحتلال، وفي السعي لنيل حرية الشعب، بتكنيس الاحتلال وإزالته ودحره، هي صرخة كل الملايين التي اكتوت بالاحتلال، فمات من مات، وهجر من هجر، واعتقل من اعتقل، فكان الزيدي هو رجل الانتقام لكل اولئك الذين كانوا من ضحايا الاحتلال، كان الثأر لبلاد هوت ودوت وخربت على يد هذا الاحتلال.‏

وعلى هذا النحو، فإن منتظر الزيدي ليس متهماً، وليس مجرماً، ولا ينبغي محاكمته على ما فعله مدفوعاً بضحايا وارامل وأطفال ومشردي العراق، لأن هكذا محاكمة هي محاكمة لكل الشعب الذي هو الضحية، في حين أن المحاكمة ستكون لمجرمي الحرب أمثال بوش وبلير وأولمرت وتشيني ورامسفيلد وكل من ناصرهم وأيدهم وساعدهم وساهم معهم في ارتكاب المجازر والمذابح الجماعية منذ أن داست جنازير الدبابات ساحات وميادين بغداد وكل المدن العراقية قبل بضع سنوات ومازالت شاهداً على الدمار والتخريب والحرائق والتفخيخات ومعسكرات الاعتقال، والقضاء على التاريخ، وتقسيم الجغرافيا، ومصادرة الإرادة الوطنية لشعب بنى بلاده ووطنه منذ آلاف السنين، ودحر كل الغزاة والطامعين في ثرواته وفي أرضه وفي هدوئه وسكينته وسلامته، وتهديد وحدته الداخلية، واستقراره الوطني.‏

منتظر الزيدي رجل في أمة، وصحفي ربط وبإحكام وجرأة ما بين تبني الحقيقة وممارستها على مرأى الملايين، وهم يعدون أكاذيب وأضاليل الرئيس الأميركي جورج بوش، ولم تكن في يدهم أي حيلة أو وسيلة لفضح وتعرية هذه الأكاذيب، لأنها أكاذيب احتلال وادعاءات غزاة، فكان منتظر الزيدي هو الشاهد وهو الفاعل، وهو التعبير الواقعي والعملي والمحسوس والملموس لكل ما يختلج صدورنا من كراهية للاحتلال، ومن غضب عارم على سياسة الذبح والقتل والتشريد التي لم يتورع الاحتلال عن ممارستها أيضاً على مرأى ومسمع كل العالم، وهو يلوذ بالصمت، ولا يحرك ساكناً، وفوق ذلك ينافق المحتلين ويؤيد غزواتهم واقتحاماتهم لكل جهات الارض في العراق، ولكل الأعراض، فكانت صرخة الزيدي وقبضته بل كان «الحذاء» هو أصدق رد وأقوى فعل على أن «وقف الحرب»، حرب الاحتلال على العراق والعراقيين على الوطن والأرض، على التاريخ والجغرافيا، على الإرادة والثروة، وحده الخلاص، خلاص الشعب من المحتل، وخلاص المحتل من غضب أبنائه، ومن سواعد أبطال ورجال هذا الشعب الذي لن يرضى باذلاله واهانته وتركيعه، هكذا صنع منتظر الزيدي معادلة الصراع في لحظة تاريخية قبل أن يهم برمي فردتي الحذاء في وجه بوش، وهكذا ستكون الحقيقة مجلجلة وساطعة وعلى كل الافق والمدى وفي كل الزمن تسجل للتاريخ أن منتظر الزيدي كان الأقوى والأشد مناعة في الرد على الطاغية جورج بوش.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية