|
آراء وتبقى حارة طازجة كأنها رغيف الخبز وقد أخرج توا من (التنور) وأن بعد مئات العقود وعشرات القرون يفوح بعطره الفواح الفاتح للشهية، وهذا لا يعني على الإطلاق أنه لكي يكون الحدث ذا شمولية إنسانية أن يشترك فيه -في صناعته- البطولية (كما في الأفلام والمسرحيات والروايات التاريخية) مئات أو آلاف الصناع، يكفي أن يقوم شخص ما (بتعليق الجرس) حتى يكون الفعل ملهماً ومعبراً ومثيراً للاعتبار وربما صار السهم الذي ينطلق نحو نحر (مسار تاريخي خاطئ) فيطويه ويجرحه ويبدأ الناس- المجموع- آنذاك فعل التغيير ليعاد التاريخ إلى مساره الطبيعي. في هذه البساطة يمكن لنا اعتبار ما قام به الصحفي العراقي- منتظر الزيدي- قضية إنسانية كونها لخصت للعالم كله حالة تمور وتفور في أعماق ملايين من بني الإنسان- عربا ومسلمين وغير عرب وغير مسلمين- في أرجاء المعمورة وقد يكون الفعل (الجريمة) (القاء فردتي حذائه في وجه رئيس دولة محتلة) مقتصراً عليه هو بدليل اعتقاله على تلك الصورة المفضوحة والمملوءة بالحقد واللؤم والمعبرة عن عدم الإيمان بشعارات الديمقراطية وحرية التعبير، ثم تقديمه (هو وحده) للتحقيق والمحاكمة لتلقي (العقاب)! لكن التعبير جاء شاملاً وبالتالي فإن ردة الفعل كانت عامة- حتى في الداخل الأمريكي ذاته- حيث أضحى الحدث لعبة ومدعاة انترنيت ومدعاة سخرية بالرئيس الذي انتهت ولايته على هذا النحو (المذل) يستقي الحدث أهميته الرمزية كونه حمل دلالات (توجيه الإهانة الأقسى عربياً) نحو المحتل. أما الزعم القائل أن الزيدي لم يحترم التقاليد العربية فهو لا يقرب من العرب وإن بأقل من ملليمتر واحد، العرب يكرمون الضيف والعرب مستعدون لافتداء الضيف بالنفس والنفيس والعرب كانوا أبداً مثالاً للدنيا كلها في الجود والكرم إلا مع المعتدي الغازي وجورج دبليو بوش- حين جاء إلى العراق- منذ البداية وحتى اللحظة جاء معتدياً وغازياً ومدمراً وقاتلاً ومكبلاً كل سبل الأمان والكرامة والحياة الطبيعية في العراق ،ومن هنا كانت المقاومة العراقية- المشروعة والمستمرة- منذ اللحظة الأولى للغزو وحتى الآن أيضاً- وبكل أشكال المقاومة، بالقذائف الصاروخية وبالكلمة وبالقصيدة والريشة واللون وبالتظاهر وأيضاً بشكل تعبيري ملهم ومدهش: المقذوف نحو المحتل- الرأس- بوش هو زوج حذاء. لو كان الحادث فردياً- أو لو كانت دوافعه ذاتية وفردية وشخصية- كون الزيدي كان قد ذاق الاعتقال والخطف في ظل ديمقراطية الاحتلال الأمريكي- لما كانت هذه الاستجابة الشعبية العراقية الترحيبية بالحدث ولما كانت هذه التظاهرات العارمة التي (وحدت العراق من جديد) من البصرة إلى الموصل ولو كان الحادث معزولاً لما كانت التظاهرات امتدت لتشمل أركاناً عربية أيضاً في الأردن وفلسطين ولبنان ولما كان الصوت الممثل للشارع العربي يعلن انتماءه لرمزية المشهد ودلالات الحدث ولما تطوع المحامون للدفاع عن الزيدي ولما اعتبر الناس (حذاء الزيدي) أبلغ تعبير عن رفض الظلم والاحتلال ولما انبرت البرلمانات العربية ولجان حقوق الإنسان والصحفيون العرب وغير العرب للدفاع عن الرجل وإعلان تضامنها معه وتحذير سلطات (المنطقة الخضراء) من المساس به. إن (حذاء) الزيدي قد دخل التاريخ بطلاً من نوع آخر وهو سيظل مخلدا بدلالاته الرمزية إلى جانب صاحبه الذي سيخلده التاريخ إنساناً عبّر على الهواء مباشرة وأمام العالم كله عن شجاعة الحق في وجه الباطل عن صيحة الحر في وجه المستعبد، الحدث كشف أن كل ما كان يجري منذ التاسع من نيسان عام 2003 في (المنطقة الخضراء) كان مزوراً وملفقاً وكاذباً وأن الوقت قد حان ليعلق أحد العراقيين الجرس وليعلن عن الحالة الفعلية الكامنة في النفوس الحبيسة والمختنقة بكابوس الاحتلال وبكل من وما جاء به الاحتلال الأمريكي الغاشم. لا، جورج دبليو بوش لم يكن زائراً- ولا في أي لحظة- للعراق إنه كان قائد الجمع العدواني ومخطط العدوان ومنفذ الاحتلال وممنهج تدمير الدولة العراقية وبالقوة ولقد أسهم عامداً في قتل أكثر من مليون وربع المليون عراقي وعراقية وهو قد جعل الملايين من العراقيين يهجرون ويهاجرون سعياً إلى الأمن والأمان وهو السبب في تيتم الملايين وترميل الملايين في العراق. وإذا كان الزيدي يقدم للمحاكمة بتهمة الاعتداء على رئيس (هو جورج دبليو بوش) فإن المطلوب فعلاً هو تقديم بوش ذاته للمحاكمة كونه المسؤول عن كل الفظائع والمجازر والمظالم والدماء التي جرت في وداي الرافدين منذ خمس سنوات ونصف السنة، حذاء الزيدي (عقاب بسيط جداً) أمام هول ما فعله بوش وزمرته وعملاؤه في العراق. أنه حدث تاريخي بكل معنى الكلمة- وهو حدث يرفع الرؤوس العربية عالياً ويفجر الحاجة إلى وقت المواجهة وإلى تصعيد أفعال المقاومة حتى تتطهر أرض العرب من رجس المحتلين ودنس الغاصبين- في العراق كما في nawafabuhaiga@yahoo.com ">فلسطين. nawafabuhaiga@yahoo.com |
|