|
محطة الذي يؤكد فيه أن ذلك الاعتقاد ينطوي على خطأ كبير؛ فمشاعر الحزن والتعاسة، كما مشاعر الامتعاض والغضب والقلق والخوف والإحباط والانفعال، وسواها من بقية المشاعر الأخرى السلبية والاضطرابات الشعورية: إنما لا يسبّبها لنا ما يحدث لنا، بل مجرّد «شعورنا» بما يحدث لنا. وتفسير ذلك، هو أن العلّة تكمن في كيفية شعورنا وردود أفعالنا إزاء ما يحدث لنا، كما في كيفية تلقينا للحدث أو الكلام، وتفاعلنا معهما. ولهذا علينا أن ننتبه إلى ما يصدر عنّا من ردود أفعال، وتحليل الأسباب الكامنة خلف مواقف الآخرين، لعلّنا ننجح في إزالة مشاعر الغضب والانفعال والكراهية الناجمة عن تلك الأفعال والأقوال. ويشير م.ر.كوبماير إلى أربع طرق من شأنها مساعدتنا في محاصرة الأحاسيس والأفكار والمشاعر وردود الفعل السلبية في هذا المجال، وهذه الطرق الأربعة هي: 1- إما أن نُفرط في ردة فعلنا إلى درجة تتراوح نسبياً بين الإفراط البسيط، والإفراط المتطّرف المُبالغ فيه جداً. وهذا السلوك الأخير قد يقودنا إلى الإغراق العاطفي الذي ربما أورثنا مشكلات صحية خطيرة. 2- وإما أن تأتي ردّة فعلنا غير مناسبة للحدث، ولا ملائمة لما يقتضيه الموقف من تصرّف. بل إنها قد تأتي على النقيض من السلوك الاعتيادي المنطقي، المتوقَّع تماماً، فنستهتر بالخطر المحدق بنا، أو أن نتجاهل بشكل صريح التحذيرات الجدّية التي يجري تقديمها إلينا، أو نرفض بعنجهية وغرور يد المساعدة، الضرورية، التي قد تمتد إلينا. 3- كما أننا قد نلجأ إلى الامتناع عن القيام بأيّ تصرف أو ردّة فعل على الإطلاق. 4- ويبقى الخيار الرابع والأخير، وهو أن نتفاعل مع المشكلة، أو الحدث، بعقل هادئ بارد، وبكلّ رويّة وتبصّر وتفكير. ومن استعراض الخيارات الأربعة الواردة أعلاه، يتبين لنا بكل وضوح أن ثمة خيارين منهما فقط، هما الخياران الأخيران، يمكن أن ينطبقا على المقتضيات اللازمة للنجاح، وهما: - الامتناع عن أيّ تصرّف حتى لا يتفاقم التلف، ولاتتعاظم الخسارة، ولا يتدهور أو يسوء موقفنا الوظيفي أو الذهني والمعنوي. - التصرف اللائق، الهادئ، الحذر، وفق المقتضيات المناسبة للموقف، وبالقدر اللازم، في الوقت الملائم، من دون زيادة أو نقصان. أما إذا كانت ردة فعل المرء تقع ضمن أحد الحقلين (أو الأسلوبين) الأولين المشار إليهما أعلاه، فإن ذلك يشكل سلوكاً مَرَضياً أو غير متوازن، تترتب عليه بلا شك نتائج سلبية على الشخص ذاته وعلى محيطه الوظيفي والاجتماعي ووضعه النفسي- العصبي والذهني. وتبعاً لرأي الكاتب والفيلسوف الفرنسي «مونتانييه» فإن « المرء لا يضارّ بسبب ما قد يصيبه من أحداث بقدر ما قد يضار بسبب أفكاره حولها». وبالتالي، فإن المسألة لا تتوقف على الحدث بحدّ ذاته فقط، وإنما على أسلوب تلقّينا لهذا الحدث، وعلى طريقة تفاعلنا معه، وعلى مدى صوابية ودقّة واتزان ردّة فعلنا تجاهه. بمعنىً آخر: إنّ فرط ردّة فعلنا إنما تستدعيه مشاعرنا ذاتها حيال ما حدث، ولا يستدعيه الحدث نفسه، بحجمه الحقيقي وواقعه الفعلي.فكل ما في الأمر أن الحدث سبّبَ لنا ما سبّبه من مشاعر باتت بدورها تشكّل سلسلة من التفاعلات المرتبطة بآلية التصعيد الذاتي الشعوري وغير الشعوري. وهو ما يعني أن فرط التفاعل مع الحدث أو الكلام، ناتجٌ عن فرط الإحساس، أو المبالغة في ردود الفعل، غير المتناسبة مع الواقعة ذاتها. والنتيجة، التي يتوصل إليها م.ر.كوبماير هي: إذا أردنا أن ننجح في حياتنا الشخصية والسلوكية والاجتماعية والنفسية، فإنه ينبغي لنا أن نتوقف عن المبالغة في العواطف والأحاسيس، فلا يكون «جلدنا العاطفي» رقيقاً جداً، بحيث تخترقه إبرة كل بعوضة معنوية سخيفة، أو كلمة مسيئة حاقدة أو حاسدة. لكنّ السؤال الاستنتاجي الذي يبقى قائماً، هو: هل أعصابنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وردود أفعالنا الفورية خاضعة لحساباتنا العقلية والذهنية الباردة، وبالتالي لإرادتنا الواعية وقراراتنا المدروسة والمتوازنة، أم أنها مسألة تركيبة مزاجية خاضعة أساساً للمورّثات وعوامل غير إرادية، ولا صلة لها بالعقل والإرادة والوعي وقوة الشخصية أو ضعفها؟! www.khalaf-aljarad.com "> www.khalaf-aljarad.com |
|