|
آراء هي المرارة الأشد من الحنظل والألم الأكثر وقعاً وسطوة وحضوراً من (فرمك) لحم أخيك الإنسان حياً وذبحه بسكين مثلومة، وقد حدث هذا. الألم الممض، الفاجع، القاتل، أن يتحطم أمامك من كنت تظن أنه لا يتحطم، بالتأكيد لاشيء إلا ويتحطم، ولكن حطاماً عن آخر يختلف، أن ترى (أصناماً) من ذهب، من فكر، كنت تظنها كذلك تتهاوى وتذوب أمام رنين المال والإغراءات أليس هذا ألماً قاتلاً، خانقاً، أكثر من «...» الذي يبول الثعلبان برأسه؟! لا أزعم أني مثقف، ولا أدعي أني سأكون كذلك لكني أدعي أني أتابع المشهد الثقافي العربي عامة والسوري خاصة، ومغرم بحديث الكواليس والخفايا والأسرار التي يتبادلها من يدعون الثقافة، والعاملون في هذا الحقل، أو على رصيفه مروراً، تسلقاً ادعاءً وفي الجعبة حكايا وقضايا رووها عن بعضهم ما يجعل سردها ونشرها ذات يوم فضيحة، ومتى لم تكن جلسات الكثيرين من هؤلاء الادعياء فضيحة ونميمة وحبكاً لمؤامرات دنيئة ولكن على رأي أحد الأصدقاء: فإن ما يحدث في عالم الصغار يحدث في عالم الكبار والصغار هنا الأطفال والكبار ليسوا بالتأكيد من صنعوا مكانة محترمة بكدهم وتعبهم، بل المعني هنا من وصلوا إلى مواقع الكبار وهم صغار مازالوا يفتشون في مقالب قمامة الحياة.. في الثقافة والمثقفين وأحوالهم، ومواقفهم هذه الأيام ما يجعل المرء لا يتحسس مسدسه كما قال غوبلز، بل يتحسس وطنه فلا مسدس لدي أتحسسه أبداً ولست غوبلز، لكني ابن وطن وأرض وسماء وماء، ابن قرية متروكة على صفحات الدهر، قرية كآلاف القرى (مشلوحة) في عتمة النسيان، طغيان جمالها، وعبق وديانها يخفف آلام من مرّوا ويمرون وسيمرون على صخورها الدهرية، ولا تذكر إلا حين تودع الشهداء. هذه القرية كآلاف القرى في وطني هي ملاذي وجزء من وطني الأكبر الذي صرت أخاف عليه من بعض بنيه من مثقفيه وأدعياء الثقافة. نحن في محنة الفكر وزيفه وأدعيائه، ولو ظهرت أناي قليلاً فسأقول: إني مؤمن بعبقرية العرب وبسر إبداعهم في اللسان ومعاني اللغة، تقول العرب ومن باب التفاؤل: «المفازة، السليم، المفازة لمن يعبر الصحراء على أمل أن يفوز بالحياة بعد عبورها، والسليم: للديغ أيضاً على أمل الشفاء مما حل به. أترانا نستطيع أن نسحب الأمر وعلى كلمة (مثقف) وجذرها اللغوي، لنعد إلى معجماتنا ولنرى أن أحد معانيه إزالة العقد من الخشب، والتقويم... أترانا نظلم بعضهم إذا قلنا إنهم لم يحسنوا أن يزيلوا عقدهم، ولا أن يزيدوا خصبهم الفكري، بل ظلوا على ما هم عليه، هؤلاء الذين باعوا الوطن بكأس نبيذ مرّ، وبرقصة عاهرة لا ترتقي إلى كعب (سالومي)، هؤلاء المثقفون الفاعلون لكل الموبقات بحق وطنهم لم أقتنع يوماً ما أنهم يحملون مشروعاً تنويمياً حقيقياً أبداً، إلا قلة قليلة لم تعد الآن إلا في خفايا الزمان أو المكان. عام 2003م وحين كان بعضهم يقدم أوراق اعتماده إلى الأميركي القادم إلى المنطقة -تدميراً وفتكاً- ضمت جلسة عمل رئيس تحرير صحيفة ما... ومن معه وكنت من بين الموجودين تناول الحديث اسماً من الأسماء التي تبيع وتشتري بالوطن والمواطنين وعند أول مفترق إغراء يزداد سعر البيع، وبالتأكيد اسم له وقعه الذي صنع بأدوات تضليل محلية وخارجية، ودار نقاش حول ما يكتبه بعض هؤلاء ويقدمونه للآخر القادم إلى المنطقة، سألني رئيس التحرير آنئذ ما رأيك: فقلت: منافقون، دجالون، يريدون أن يقولوا للآخر إننا هنا، اعتمدنا نكن عوناً لك.. ثارت ثائرة الكثيرين ممن هم موجودون صالوا وجالوا، بعضهم قال: أنت لا تقدر المثقفين ولا الثقافة، ولا تعرف مكانة هؤلاء أنت أسأت إلى رموز وإلى.. بالتأكيد لم يتغير موقفي وازددت تمسكاً برأيي لأن الواقع يدلك على القادم، ودارت الأيام وها نحن بعد تسع سنوات نعيش مرارة ما كان يعده هؤلاء الأدعياء، ما حضروا له ما قدموه ماروجوه في الشرق والغرب... ولن أخجل أن أكرر أبداً قولي: إنهم منافقون، كذابون، مراؤون وبالتأكيد أعني الذين لا يمتون للوطن بشيء. الذين استثمروه وكانوا يبحثون في المزاد عمن يدفع أكثر.. المثقف في أحد معانيه اللغوية وأظن الفرنسية يعني الزارع.. فماذا فعل الكثيرون من أدعياء الثقافة، وماذا زرعوا وماذا حصدوا... زراعة القمح فعل، وزراعة المخدرات فعل، ولكن ماذا عن الحصاد والعائد؟! اليوم نحن بأمس الحاجة إلى وضع استراتيجية ثقافية وتربوية وإعلامية تعنى بالفكر الحقيقي، تعنى بالإنسان بناء فكرياً متوازناً. نحن بأمس الحاجة أن نعيد ترتيب أولوياتنا الفكرية وأن ننظر برؤية نقدية لكل وسائل تصنيع وتسويق هؤلاء. إعلامنا، منابرنا، كل شيء كرسناه لهم لزيفهم وصنعنا من بعضهم نجومية لم تكن لتساوي شيئاً خارج الوطن لولا أنها باعت واشترت وراهنت اليوم وليس غداً لنعد إلى الأصيل لنحتفي به لنبني طالباً قارئاً، مدرساً مبدعاً، لنحتفي بأديب أو ناقد أو فنان لم تصنعه أبواق الوهم مللنا ونحن نكتب ونشير إلى ذلك ولا أحد يسمع أو يرد الكل يريد الوطن حقيبة سفر ومغريات، والمفجع في الأمر أن الكثيرين من هؤلاء مازالوا بيننا ينتظرون ثمناً أكبر حان لنا أن نصرخ كلما سمعنا بعض مثقفينا أننا نتحسس الوطن لا المسدس، نتحسس حقول قمحنا وكرامتنا، لا بنادقهم وحقدهم الفاسد ومن جديد بعد عشر سنوات ازداد يقيناً أنهم فاسدون منافقون وهذا شر البلاء لكنهم أيضاً عند أول حاوية قمامة سيلقون بعد الاستعمال. |
|