تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بوابة الحضارات والحوار

آراء
الخميس 17-1-2013
  هنادة الحصري

في شامنا العتيدة التي انعجنت ببهار الأنفاس العربية الموغلة في القدم يتدحرج المجد من شرفة السماء ليعانق العطر والكبرياء في جوف كل آذان وفي ترنيمات أجراس الكنائس يجري حراك اجتماعي يدور في فلك الأديان من خلال لقاءات وندوات وورشات عمل تهدف بالدرجة الأولى للانفتاح على الآخر بغض النظر عن معتقده...

وعلى الرغم من أن الناس تتقاسمهم أديان وثقافات مختلفة لكني أرى أن الفطرة في الكائن واحدة ولذا نراهم يجتمعون أكثر مما يتفرقون بل يشددون على ضرورة التقارب الروحي واحترام الأديان على أساس أنها رسالات سماوية تدعو إلى المحبة والخير والحق والسلام.. إلخ.‏

إضافة إلى وعي بضرورة احترام الآخر وحقه في الاختلاف على أنني لا أعمم، إذ إن هناك فئة ترى أن ما هي عليه من المعتقد أفضل مما عليه غيرها وكلما كان غيرها أقرب إليها كان أحب إليها وبالتالي فلا ترضى إلا عمن كان على شاكلتها.‏

وبالعودة إلى الديانات السماوية ومفهوم الآخر لدى كل معتقد نجد أن حاخامات اليهودية لديهم نظرة نمطية، فالآخر هو عدو شرير وتستند تلك النظرية على أسس تلمودية وبعد تراثي قديم لا يزال يراه كثير من اليهود مقدسا،ً اليهودية مقصورة على تصورات، فصورة الآخر في التوراة توضح فكرة الاختيار الآلهي كعقيدة جوهرية «انك يا إسرائيل شعب مقدس للرب إلهك».‏

وبهذا ففكرة الاختيار بارزة في معظم الأدبيات الإسرائيلية كذلك فكرة الانعزال عن الآخر باعتبارهم أكثر قدسية كما ساهمت النصوص التلمودية وأقوال الحاخامات في تكوين صورة العنصرية العرقية اليهودية وأكثر ما نراه يتجلى في صلاة اليهودي حيث يبدؤها بالشكر للرب على أنه لم يخلقه من الأغيار أو جعله امرأة أو عبداً واليهود هم البشر وغيرهم وحوش وشياطين وأرواحهم جاءت من أرواح الخنازير.‏

ولكن ما نلاحظه نتيجة حركة التنوير التي ظهرت في القرن الثامن عشر فقد ظهرت جماعات يهودية رأت أنه لابد من تحكيم العقل وقوانينه في الجوانب المختلفة لحياة الإنسان وضرورة إعادة تأويل النصوص المقدسة على ضوء الحراك الفكري الحديث ليتم اندماج الجماعة اليهودية في الغرب على مختلف الأصعدة ولكن الذي حصل هو أن اتباع الأرثوذكسية المحدثة همشوا النص الأصيل وتعاملوا مع كتب الحاخامات فكيف سيتم الاعتراف بالآخر وحواره على هذه الأرضية؟‏

أما المسيحية فهي تجد الغيرية بالعلاقة بالآخر حقيقة أساسية للإيمان تنبع من الكتاب المقدس، حيث يرى الايمان المسيحي أن المسيح هو التعبير عن محبة الله ككل البشر إلى أقصى الحدود بغض النظر عن انتماءاتهم، إن الله الذي يحب البشر هذا الحب هو محبة في ذاته أي أن الله محبة ايرتياوس: «محبة الله هو إنسان الحي الذي لا يوجد أي منافسة بين الإنسان ولكن الإنسان هو بالله ولله ويتحمد الله في حياته وفي التحقيق السليم للإنسانية فإن احترام الآخر حقيقة واقعة في المسيحية».‏

وفي الاسلام واقع الإنسان الخارجي لا يكون دائماً متسقاً مع جوهره الإنسان، ولذا فالأمل أن يعود الإنسان إلى الله مهما كانت انتماءاته، من هنا فلا ينكر الاسلام واقع الناس واختلاف دياناتهم وحضاراتهم ويؤكد ذلك قول الحاخام «ايدور شتاين» أن اليهودية ارتفع شأنها وعلا حيث ساد حكم الهلال وللعلم فإن سورية هي البلد الأكثر رعاية لهذا الحوار الجميل حوار الأديان تزينه لحمة وطنية نادرة حيث نرى لقاءات متبادلة بين مسلمين ومسيحين ومأدبات وحوارات تغني الوطن وأبناءه.‏

أخيراً أنا لست من رأي الدكتور محمد عمارة إذ يقول في حوار الأديان: «حوار الأديان أكذوبة كبرى» بل أرى أن اليأس والقنوط واستعجال النتائج ليس منهجاً علمياً فنحن لدينا من المتنورين الكثير الكثير من كل معتقد وبالمحصلة فالإنسان أخو الإنسان.‏

hunada@ housri.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية