تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ميلاد يسوع المسيح (ع) .. شاهد أم شهيد؟!

آراء
الخميس 17-1-2013
 الشيخ حسن حيدر الحكيم

ما الذي يجعل الناس يحبون أوطانهم؟! ما الذي يجعلهم يتبعون أولياءهم وأنبياءهم؟! وما الذي يفصل بين من يحبون أوطانهم ورموزهم وأنبياءهم وقادتهم فعلياً، وبين من يدعون هذا الحب ويسخرون هذا الحب لأجندتهم الخاصة؟!

هي أسئلة تواثبت في خاطري عندما حضرني عيد الميلاد المجيد فاتحاً عليّ باب الذكريات الرائعة في منطقة سكني في حي الحميدية بحمص، حيث قضيت سنوات عمري الطوال وكان أهل الحي المتصل بوادي السايح وبستان الديوان وكرم شمشم مزيجاً رائعاً من كل الأطياف والديانات والطوائف وكان قدوم عيد الميلاد المجيد أو عيد الفصح أو عيد رأس السنة سبباً في التحام ثقافي عاطفي واحتفالي فريد، فالكل من كل الطوائف والأديان ينصبون شجرة عيد الميلاد ويزينونها وتحل ليلة الميلاد والحب والتهنئة والزيارات ترسم طابعاً لذيذاً بنكهة الوطن وحب الوطن، حتى كأنك تشعر أن المسيح (ع) حقاً يلد في تلك الليلة المجيدة، فتظهر ولادته من مراسم المودة والمحبة والاحتفال والأطفال الذين لبسوا أجمل ما عندهم وتظهر الصبابا في الحي كفراشات بيض وخضر وحمر ويظهر الشباب كفرسان يستعدون لبناء الوطن بالجمال والحب حتى الكهول والشيوخ فيلبسون الطقم الرسمي فيظهرون كوزراء أو سفراء لشدة أناقتهم وكانت بيوتات الفقراء تشهد احتفالها الخاص بما يصلها من هبات أهل الحي السرية، طعام وحلوى وثياب العيد ومع بروز شمس الظهيرة ترى كل أهل الحي بجمالهم ووقارهم يمشون فيه ويتبادلون التهاني وكانت كل مدينة حمص تحضر لترى كرنفال الحب والأخوة والجمال فيكتظ الحي بالوافدين ويزدحم حتى ينفرج في المساء في كل عام كان حي الحميدية بفروعه مثلاً لحضور السيد يسوع المسيح (ع) أباً بسلامه وابناً بحبه وروحاًِ قدسية بإحسانه.‏

مر عيد الميلاد على حي الحميدية هذا العام بعد أن غادرناه ملتاعين ويد الغدر والإجرام والإرهاب تعبث به وتهجر ساكنيه وتقتل شبابه وتأسر بعضاً من شيوخه وتنهب بيوته وتخرب كنائسه وتحول مساجده إلى مواقع قتال وقنص، أتى عيد الميلاد وأقدام من قبضوا من نعاج الخليج وتيوسها تدوس على أشجار الميلاد وعلى لعب الأطفال وذكريات الأيام الجميلة التي عاشها الحي وقاطنوه، أتى عيد الميلاد والحي يرزح تحت احتلال أناس مشبوهين أرادوا امتطاء الناس بالدين يعتقدون أنهم كل شيء وغيرهم ليس بشيء فألقوا القبض على الضعفاء والبسطاء فقتلوا وخطفوا وتمادوا في غيهم وطغيانهم وقد ولغوا بدماء أبناء وطنهم ليتصدروا مكان السادة والعلماء بلحية أطلقوها وبندقية حملوها ومدافع نصبوها ودم عربي مسيحي ومسلم سفكوه، أتى عيد الميلاد وقد فاتهم أن السيد المسيح (ع) لا يزال يلد في كل ميلاد يشهده الحي رغم احتلاله كشاهد على فقراء ومساكين الحي وقد ظلمهم مال النفط فأوفد إليهم أصحاب اللحى والذقون ليسحقوا ما بقي لهؤلاء الدراويش البسطاء من مفردات العيش بكرامة وقناعة، نعم لا يزال يسوع المسيح (ع) يلد في كل ساعة وكل دقيقة وفي ذلك الحي العتيق ليشهد لمصلحة الأرامل واليتامى الذين استشهد عنهم من أحبوا على يد أولئك المرتزقة الآثمين الذين يعيدون فرش طريق الجلجلة الأليم في أروقة الحي التي شهدت مهرجانات المودة والحب والفن والطرب نعم يلد يسوع المسيح (ع) كل يوم وكل ساعة ليرى العالم أن هؤلاء المجرمين الطغاة المرتزقة لا يأبهون بنبي ولا ولي ولا ينتمون لوطن أو تراب أو أرض أو عرض وليشهد عليه السلام أن دمه كدم الشهداء الأبطال هو دم الخلاص والفداء وأن هذا الدم سينتصر دوماً على كل أسلحة القتلة المجرمين سفاكي الدم، يلد المسيح (ع) ليقول لكل النساء الذين أسرهم وظلمهم وطحنهم تعصب أولئك الظلاميين الذين لم يروا في النساء إلا عبيداً أو شياطين. إن المسيح (ع) أتت به مريم الأم الطاهرة (ع) قبل أن تأتي به السماء يلد المسيح (ع) ليشهد على كل من سفح مال النفط مال الشعوب وثرواتها في الترهات وإقامة الأولمبياد وعلى النساء القادمات من مواخير الغرب والمسيح (ع) يتضور جوعاً في بيوت الفقراء والمقاومين وثكالى الشهداء، وأن دماء المسيح (ع) شاهدة على الذين بنوا الثروات بنهبهم للنفط العربي فبنوا قصورهم على جوع الجياع وألم المرضى وحزن الأمهات اللاتي فقدن أولادهن برصاص القتلة السفاحين الإرهابيين.‏

ميلاد يسوع المسيح (ع) شاهد وشهيد، شهيد المعركة الدائرة منذ القدم وحتى اليوم بين حراس الحق والعدل والكرامة وبين عبيد الدهاء والشر والخديعة والنفاق، وشاهد على المعركة بين بياض العقول وصفاء القلوب ونقاء النفوس وبين سواد الجاهلية والطائفية والعائلية والطغيان.‏

يسوع المسيح (ع) شهيد من خان وباع المسيح والوطن والأهل والعشرة بقليل من الفضة وشاهد على المعركة بين سافكي الدم ودعاة الناتو وبين حراس الحق والشرف والمجد أبطال جيشنا العربي السوري.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية