تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لن ننسى

الخميس 17-1-2013
شهناز صبحي فاكوش

تمر الأيام العصيبة على سورية وشعبها والعالم يُحْكِمُ حولها طوقه الضاغط علها تصرخ وجعاً وتستسلم. ولكن (هيهات منا الذمة). عن أي شعب يتحدثون ولأي وطن يخططون...

هذا الشعب الشامخ المحشو بالأخلاق والقيم، المتخم بالحب لأرضه وسيادته وكرامته... المفعم برائحة القمح والياسمين... لأي جباه أبية يحيكون مؤامراتهم بغية إخضاعها...‏

هذا الشعب الموغل في القدم عشرات الآلاف من السنين، والذي لم يستطع المحتل الذي دخل أرضه يوماً أن يطبّعه. فلفظ حتى لغته وأصبح رفضها في حالة استباقية ولعشرات السنوات المتتالية...‏

عندما كان التلميذ يقترع للغة أجنبية يرفض سلفاً قبول اللغة الفرنسية في فطريَةِ رفض الاحتلال الذي ما طال بقاؤه على الأرض السورية، ولم يستطع النيل منها ولا من ذات أبنائها...‏

هذا الذي ناهض الاحتلال العثماني بعدد الساعات التي وطئ فيها هذه الأرض. واليوم يعيد السلجوقي الهوى أحلام أجداده ليعيّنَ والياً عثمانياً على شمال حلب... أين أنت أيها الحاقد من رد فعل السوريين الذين لا يرتضون عن السيادة والحرية بديلا..‏

هل في فعلك هذا ترجمة لما أعلنته في ما يدعى بقمة اسطنبول أنها قمة أفعال لا أقوال مستنداً إلى ما أهداك الناتو من (بطاريات الباتريوت) والتي حطم آمالكم وآمالها خطاب الأسد. ألم تعد بك الذاكرة إلى أن الإرادة السورية وشكيمة الشعب السوري لا ترهبها أسلحة العدو مهما كانت متطورة. والأمس ليس ببعيد فانتصار تشرين على العدو الصهيوني سيظل حاضراً كأنه الأمس القريب حتى لو تباعدت به السنين. وأنتم توجهون وتصرحون بأفواه الغير إلى صوملةٍ سوريةٍ قادمة في دس آراء ونصائح تحت عنوان تجاوز الألم والمحنة...‏

إن الشعب السوري رجاله يباهون بما يملكون من عزة بكبرهم وكبريائهم، يتسامون على الجراح ويسامحون ولكن بعضهم البعض، وبذات الوقت لا يمكنهم أن ينسوا... الشعب السوري لا ينسى من يسيء إليه، وإن تناسى في بعض الزمن الماضي القريب ما اقترفت أيدي محتليه وأعدائه في التاريخ، ذلك لأنه بطبعه عفوه عند المقدرة، ظن وأغلب الظن عاد عليه (بآثامكم) التي تمارسونها عليه اليوم، أن الحاضر غير الغابر، وأن الأيام والعلم هذّبت الأخلاق، ولكن الواضح أن مقولة العجائز خالدة أبداً (العرق دساس) كيف للسوريين أن ينسوا الإجرام الذي يمارس عليهم في مذابح فردية وجماعية، وآخرها ما كان بالأمس في تفجير صروح العلم، والنيل من شباب الوطن العَالِمُ المتعَلمُ الذي يخيفهم في مستقبله.. كيف للوطن وذوي الشهداء نسيان أياديكم الآثمة التي جمعت فيهم الألم والقوة في الغوص في عمق بحر الأحزان على الوطن ومن عليه من أكباد تمشي على الأرض...‏

سيظل هذا الشعب يتعاطى جرعات إضافية حانقة عليكم جراء الزلازل التي تدمر القلوب وتصدع النفوس والأبنية. لا يظنن إرهابكم أنهم جدر آيلة إلى الانهيار. إنها حتى في لحظات الضعف الإنسانية وصدمة الرجولة تضع علامات استفهام جميلة وعلامات إعجاب في التسامي على الجراح، لكنها تمارس قراءة القناص الذي عليه أن يعرف كل شيء عن طريدته. وشباب الوطن اليوم يقرؤون جيداً أعداءهم إن من فضول وترقب، وإن من حيرة. سبل كلها تجعلهم يعرفون طرائق الرد على أعداء يستحيل عليهم شراء هذه الأرض وبراءتها وعذريتها... البيوت المهدمة... البيوت المسروقة... تعب العمر... لن ننسى... رفات الأبناء... صور طفولة الأولاد التي طالتها النيران على الجدران لم نغفر ولن ننسى... هذا هو لسان حال السوريين جميعاً.‏

سيكتب الشباب قصصاً عظيمة للتاريخ وستقف كل المفردات الحرة الأبية وراء كلماتهم في كم هائل يركع فيه التواضع أمام كبريائهم في لحظات نادرة خالدة.. وهم يعلمون أن أيديهم ستحترق في حالة الدفاع عن الوطن الذي لا يمكن شراؤه بالملايين مقابل ليس أمتاراً بل ذرة تراب طاهرة. والجولان تشهد...‏

ما زلنا أيها السادة رغم قوافل الشهداء وموكب الشهادة مازال مستمراً، وأرواح بارئة تغادر إلى جنان الله (وأرواحكم إلى الجحيم) نحتفي بورود النصر الذي نسعى إليه في مواكب بوح مع الإرادة التي يمتلكها شبابنا وشعبنا وجيشنا العربي السوري. ونعلم تماماً أن الأقدار الكبيرة تصنعها الأزمات الكبيرة، لتولد انتصاراً كبيراً يليق بسورية الوطن. فالأحلام عندهم لا تعرف للتواضع مكاناً لأنها شامخة كقاسيون حاضرة كسيف الشام، ومثل ذلك؛ السحر الذي يسطع من شمس سورية الذهبي...‏

ولا ينسَ الذين يرفعون بوجه هذا الشعب الأبي السلاح أن المرء لا يأخذ من دنياه إلا متراً ونصف المتر مثوى في هذه الأرض الطيبة، فإما أن تكون روضة من رياض الجنة داراً للشهداء. وإما أن تكون حفرة من نار لمن يعصى الله والوطن...‏

سورية بشعبها تبهر العالم اليوم بكبريائها وصمودها وتسجيل أيام لها خالدات.. ستُكْتَبُ فيها أجمل قصص الحب والعشق للوطن تخطف الألباب، وأمثولات في متعة الدفاع عنه لصون كرامته. وستكون فيها محطات لافتة مثل زهرة التوليب التي تستشعر الزوبعة فتلملم أوراقها كي لا تتناثر، هكذا هو الشعب السوري يضم بعضه بعضاً فلا يحلم أحد بتناثره، ولا يحلم بذلك الذين يتقدمون في مكان ما على رقعة الشطرنج، فسيكون لهم بالمرصاد بيادق وأحصنة وفيلة وقلاع... وسيظل الدعاء العجيب الذي تطلقه أفواه الأمهات الثكالى والأرامل الذي يفجر في المدافعين عن الوطن طاقة وحيوية لصنع انتصارات شامخة ملؤها السؤدد وهي تختال بذاتها لتلقن الدنيا الدروس والعبر ولكل من تسول له نفسه النيل من هذا الوطن... في صرخات تشق الفضاء... إرهابكم لن يرهبنا... وسورية ستبقى عصية على مؤامراتكم... أولئك الأمهات اللاتي منهن نستمد القوة والقدرة على التحكم بعواطف التمرد والكبرياء، والتي تستعين بالتناسي كدواء وشفاء مشروط بمعافاة الوطن بعد مواجهته للأقدار الكبيرة التي يمر بها. حينها يقطف الزهرة النارية التي ستوضع في ماء الوطن العذب الذي يغرس الحب في نفوس الشاربين، لتصبح زهرة النور التي تبهر الدنيا بكبريائها رغم أنها عزلاء إلا من ضيائها...‏

ففي جمالها البكر فتنة للناظرين. وهي تستدرج الأفواه والقلوب لذات الدعاء العجيب الذي فيه الكثير من الزهد على أعتاب الله المستجيب. فعزة الرجال مع وطن اسمه سورية يباهون بها الدنيا وما عليها في مِنّةٍ للأحاسيس والمشاعر تختال بذاتها في مواجهة عجرفتهم وغرورهم. وعزةِ نسائه الخنساوات والفاطميات التي تواجه غطرستهم في سهام الصبر الموجهة والتي تزين جباههن وجيادهن. فيكتبن أجمل النهايات التي يقال إنها هي تلك المفتوحة كلٌّ يراها من منظوره. إنها فعلاً النهاية المفتوحة التي ستطالها أقلام الأدباء والمثقفين والأحرار، كل حسب قراءاته ولكن العنوان للجميع سيكون... لن ننسى...‏

ولأننا أصحاب حق... والله الحق... والوطن حق... حَقَّ فينا قوله تعالى: يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين... وليعلموا أننا... لن ننسى...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية