تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قـــــــــال ... وقـــــلت

آراء
الخميس 14-1-2010م
حنان درويش

قال لي:

مما لا شك فيه أننا محكومون بقوالب جاهزة تؤطر تطلعاتنا، هذه القوالب معنية بأدلجة الأحلام والترتيبات المعرفية، ومخاطبة الذات البشرية، ومثاقفة الآخر.‏

نمشي إلى الأمام، لكننا في قرارة ذواتنا نعرف أننا أبداً مراوحون ضمن حيز نمطي الأبعاد، مكبل الخطوات.‏

وما سيرنا إلا وهم نتذرع به كي لا تخوننا الأيام، وتسبقنا الساعات، فنندم ونقول: ليتنا تحركنا، أو ليتنا سعينا، أو ليتنا نوينا، والنيات هنا لا تطعم الخبز الناضج المعجون بماء زلال. نحاول المطابقة بين ما نريده، وبين ما يريدون. نحاول التوفيق، فلا نجد إلا التلفيق يتبعنا أينما ذهبنا، نكذب على أنفسنا حين نوحي بالتصالح معها ومع المحيط، نخدرها ببعض التوازن المفتعل، سواء أكان هذا التوازن جاهزاً، أو صنعته الأيدي الماهرة.. عاطفيون نحن إلى درجة التلاشي. انكفائيون إلى حد القطيعة مع النور. فوريو الاندفاع، سريعو إطلاق الأحكام. طرقنا مربكة غير انسيابية، وأمانينا مشوشة، لا نعرف ماذا نريد من العالم، ولاماذا يريد العالم منا. أشياؤنا مستعارة، أفكارنا مستوردة، وسلوكنا دون منطقية تذكر. نظرتنا إلى الواقع بعيدة عن الموضوعية، قريبة من الفوضى. أحوالنا تدور ضمن نزعات، وظروفنا تدور في فلك غريب الأطوار. المعرفة قصية عنا، وليس لنا انتماء لأدنى شروط الثقافة، نميل إلى التنظير وإلقاء المواعظ، وادعاء الإلمام بكل شيء. تأخذنا الأهواء والتيارات والمنابت والمشارب غير المؤتلفة. ترانا لا نملك مؤانسة واضحة لفكر حقيقي، أو مرجعية صحيحة، مأزومون دائماً. موتورون دائماً، لا يعجبنا العجب.. ندور، ندور في دوامة التقليد، فلا يخرج مستنسخنا الذي نرتجي، أو الذي رسمنا له الصورة المبتغاة.‏

قلت له:‏

تشاؤمي أنت.. أغرقتني في بحر إحباط كنت بعيدة عنه بعد الأرض عن السماء. الغراب ينعق في دارك، وفضاؤك ملبد بغيوم داكنة. نحن أمة راقية عرفت منذ الأزل ماذا تريد. زرعت أصولها النظيفة في الأرض، فأنجبت رجالاً ومفكرين أوفياء. نحن الذين صدرنا الثقافة للعالم، ونحن الذين طعمنا أشجار الغير بثمر طيب، ليعطي فيضاً من مذاق.‏

من عندنا انطلق قبس الرسالات جميعاً، ومن بيتنا العربي خرجت أول صيحة حق سماوية. تراثنا تشهد له الأمم، وعلماؤنا ملؤوا الكون فلسفة وفلكاً وشعراً وطباً. لماذا تزرع الغم في قلب الندى؟.. لماذا تلقي بكلكل البؤس في جمال الصفاء؟.. أي عولمة هذه بعثت بك إلي؟.. وأي رياح شديدة رمتك فوق رصيفي؟.. نحن قوم على اختلاف ألواننا ولهجاتنا وطباعنا، سادة التنوير، شاء المغرضون أم أبوا. نحن شعب على تنوع أفكارنا واتجاهاتنا وعواطفنا، نملك الحصانة ولو رمينا في غياهب البحار. لا تأخذنا ترهات، ولا تلهو بنا بدع المغرضين. لدينا من دواخلنا ما يحمينا من سموم المؤثرات، ويسمو بنا فوق مراتب عالية التكوين، ندرك ضمناً شرعيتها لنا، وليس لسوانا.‏

كيف تحدثني عن الانهيار، وكيف تلوح بالأحلام المؤدلجة، وكيف تشير إلى طرقنا المربكة؟‏

القوة ديدننا، والحب مبدؤنا، نرشه على العالم باقات عطر، ومآثر خالدة لنا وللأولين، أفكارك المعلبة احفظها في تابوت قديم، والق بها إلى مكان لا تصل إليه قدم إنسانية، وقوالبك الجاهزة التي تدعي أننا محكومون بها، حطمها قبل أن تصل إليك يد الهلاك. قطيعتك مع النور غرر بها بعيداً عن ساحتي وتعال، قبل أن تفرق بيننا الغربة القاتلة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية