تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مـــــن جـــديــــد..!

آراء
الخميس 14-1-2010م
جلال خير بك

يبدو أن الهمّة الرسمية لم يقتصر سماحها بما جرى في دمشق القديمة: على العاصمة وحدها.. بل كان ذلك سمة عامة شملت فيما مضى وحتى الآن:

محافظات عدة نالت فيها العمرانيات القديمة: حظها من «الاهتمام» الذي أزال كثيراً منها لترتفع مكانها صروح عمرانية «حديثة»!!‏

فلو ابتدأنا من حلب لتذكرنا شارع فيصل وما جرى له ولمنصفاته الجميلة بل كاد يصيب حديقته العتيقة، فضلاً عما أصاب أكثر من منطقة قديمة في مدينة الشهباء.. وإذا غربنا باتجاه اللاذقية وفتشنا جنباتها لنرى ما حصل في العقود والسنوات الماضية: سنجد ذكريات مؤسّية ابتداء من زوال بناء «البطرني» على الشاطئ، مروراً بالعمران القديم الذي كان على الكورنيش الأول، ومعالمه التي لم يعد لها وجود بفعل توسيع المرفأ الذي أتى على تلك المناظر الخلابة.. وعلى بناء مخفر الشرطة القديم «الكركون» في ساحة الشيخضاهر.. وعلى البناء العتيق في شارع هنانو لسينما الفاروق «سينما اللاذقية فيما بعد».. وعلى مقهى منصور غربي «نقطة البوليس».. وصولاً إلى «قصر سعادة» الذي أساءت إليه كثيراً «الإضافات العصرية!!» التي أتت على حديقته الكبيرة الجميلة، ومروراً بالمباني القديمة الجميلة التي كانت تقع خلف بناء «المندوبية» أي «المتحف الحالي»، وانتهاء بما حل بالمباني أو بعض القصور القديمة على تلة «القلعة»، وما نتج أو سينتج عن إزالة مبنى الريجي القديمة، فضلاً عن الأبنية العتيقة في «حي العنابة» والقلعة من جهة «المغربي»!!‏

وإذا اتجهنا جنوباً إلى مدينة جبلة: رأينا الدكاكين «الجميلة» التي تحيط بالقلعة، مواجهها السرايا القديمة التي صارت دائرة للآثار هناك، وتحولت واجهتها الأرضية على الساحة إلى محلات عصرية!! ناهيك ببناء نادي المعلمين الذي كان في الماضي «الكازينو»: إذ لم يرمم أو تصلح جنباته وترك لعوامل الزمان رغم أنه ما زال مأهولاً!! وبتنا نخشى على «قصر علي أديب» على البحر حتى لا يدركه ما أدرك غيره!!‏

ولا نكاد نصل إلى بانياس حتى يستيقظ من غيابه «بيت تفوح» ومدرسة «الكلية الوطنية» وعدد من المباني القديمة على الشاطئ وفي مركز المدينة.‏

وعندما تمر رحلتنا في طرطوس سوف نتذكر حكماً المباني القديمة قرب «حارة الساحة» وقرب سور «عمريت» شرقيها فضلاً عن بعض المباني عند «طاحون الهوا» وشارع الخراب، وما نكاد نصل إلى سور الساحة القديم حتى نجد على مدخله الجنوبي قرب نهاية الشارع الخراب: لوحة وضعتها الآثار والمتاحف كتب عليها «حافظ على الآثار ونظافتها» وقربها أكوام من القمامة تبشر بحسن الامتثال إلى تلك المطالب - النصيحة!!‏

أما في حمص العدية فهنالك مسلسل شبيه بإخوته في المدن الأخرى.. فمن مسرحية ما جرى قرب شارع الدبلان من إزالة للأشجار والمعالم العتيقة.. إلى ما جرى قرب ساحة الساعة الجديدة: من إزالة المباني القديمة الواقعة شمالي هذه الساعة سواء أكانت مباني رسمية أم دوراً خاصة، وإذا كان بعضها قد بقي فلأن أقلام كتابها وأدبائها واليقظة المفاجئة: قد حافظت عليها إلى حين!! أما في حي المحطة فعدد من المباني القديمة قد ناله ما نال غيره في بعض من الأحياء مثل باب هود وبابا عمرو وسواهما.‏

وفي حماة أبي الفداء: ثمة حكايا عن الأبنية القديمة في مركز المدينة «السوق» و«الحاضر» أو حي المحطة أو ما يحيط بالنواعير وخلافها.‏

وإذا تجاوزنا ما حصل في المحافظات الأخرى وعدنا إلى دمشق: عادت ذكرياتها القديمة عن محطة الحجاز وعن ساروجة والبحصة والديوانية والعدوي وما جرى لتلك المناطق في المدينة وفي الضواحي: إن كانت كيوان أم زقاق الصخر أم المزة أم..‏

والقصة الآن لم تعد دفتر ذكريات عما مضى: بل هي محاولة للتشبث بما بقي، ليس في دمشق وحدها بل في سائر المدن السورية، فالسمات العمرانية العتيقة هي ذاكرة المدن وحديث عن ماضيها ومراحلها، والتشبث هنا لا يعني القداسة إلا بمقدار استطاعتها أن تكون ذاكرة حقيقية وكتاباً فصيحاً يحكي ماضياً جميلاً وجنائن جميلة ما زالت ماثلة للعيان.. ومعالم هي في المحصلة مكونات اللوحة وتفاصيلها التي تمنحها قدرة البقاء.‏

وإذا ما انضافت إلى هذه المكونات: حقوق البشر في العيش في مراتع صباهم ومواطن آبائهم وأجدادهم، والحفاظ على المعالم القديمة التي اعتاشوا من خيراتها ووجودها.. إذا كان ذلك: فإن مسألة صيانة هذه المعالم والحفاظ عليها: هي أولوية يجب أن تراعيها الجهات الرسمية وتحترم فيها مشاعر الناس وحقوقهم: كجزء من حفاظها على هذه الذاكرة العامة وعلى ذلك التاريخ الذي ترويه.‏

هل الطريق إلى شارع الملك فيصل معبدة؟ نعم هي كذلك لكنها في الوقت ذاته لا تزال عصية على الزوال إن كنا نقدر حقاً تلك الذاكرة الوطنية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية