تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نافذة.. مهمة الثقافة

آراء
الخميس 14-1-2010م
سليم عبود

ما قيمة أي حالة معرفية أو إبداعية إن لم تصب في مصلحة الوطن؟! ما جدواها إن لم تختزن ثقافة الأمة وتنبض قوة ونهوضاً وصموداً وصلابة في مواجهة المشروعات التي تهدف إلى اقتلاع الأمة من جذورها وتفكيك قيمتها وتخريب مكوناتها الفكرية والدينية والحضارية؟!

وبعبارة أخرى أكثر ملامسة لمعنى الثقافة وأهدافها وأبعادها:‏

ما معنى الثقافة إن لم تكن سلاحاً في الدفاع عن الأمة وقوة وحياة لها؟‏

بعض الذين يرفعون يافطة الثقافة كفعل إبداعي يريدون تكور الثقافة حول نفسها أو انفلاشها أو تفككها وتحولها إلى ثقافة الطائفة والقبيلة والمذهب ، أو أن تتماهى في ظل قائم لثقافات القوى، ويتجاهلون القوة الكامنة في ثقافة الأمة والتي شكلت على مدى قرون قوة البقاء.‏

من يدرك علاقة الجذور بالجذوع؟ أقصد من يدرك العلاقة بين المخزون الثقافي والفعل الثقافي ،أي علاقة الثقافة كإبداع بالأمة كمخزون حضاري، يدرك أن قوة الثقافة المبدعة تكمن في قدرة هذه الثقافة في استمرار الأمة وصمودها.‏

يدرك الفلاح في بلدنا أن قوة السيل مهما تعاظمت لا تستطيع أن تفصل بين جذور القمح وحبات التراب التي يمسك بها الجذر ، فيحافظ الجذر على حبات التراب وتحافظ حبات التراب على الجذر وبالتالي على نبتة القمح، هذا السر العظيم في قوة الترابط يشكل قوة البقاء وقوة الحياة ، والوضع نفسه نلمسه في جذور السنديان فهي تشق طريقها في الصخور الصلبة، تتموه الجبال ولا تتهدم العلاقة القائمة بين جذور السنديان والصخر .. وهكذا العلاقة بين الثقافة كفعل إبداعي وبين الأمة كمخصب ثقافي ..‏

لماذا يفكر بعضهم بفصل العلاقة بين جذور الثقافة والناس..؟‏

ولماذا الادعاء أن الأمة تحتاج إلى استيراد ثقافة جديدة؟‏

أذكر كان جدي يحدثني عن كرهه للخبز الأبيض الذي نأتي بقمحه أو بدقيقه من خلف البحار ليس لهذا الخبز رائحة الأرض ورائحة العرق المتصبب من جباه وسواعد الفلاحين.. في الخبز البلدي رائحة الأرض والناس.‏

عندما كبرت عرفت أن ثمة علاقة سحرية بين الدقيق ومذاقه ، شكلته تلك الروح التي تربط بين الفلاح وحبة القمح منذ زراعتها إلى حصادها إلى طحنها بما في ذلك رائحة تلك الأصابع التي تحتضن العجين وتحوله إلى خبز له رائحة البخور.‏

لهذا أسأل:‏

ما قيمة ثقافة تتجاهل عن عمد أو من غير عمد علاقة الثقافة بالتاريخ والجغرافية والأحلام والآمال والمهام التي عاشتها الأمة طوال مراحلها المضيئة والمعتمة؟!‏

نهض الغرب لأن المثقف فيه ارتكز على مكونات الوطن والبشر وعمل لمصلحة الوطن والبشر، وإذا لم تعد للمثقف الغربي اليوم قضية تشغله ..فالعرب اليوم يعانون من ازدحام القضايا ثقافة التفكك والطائفية والمذهبية ووجود الاحتلال والتخلف، وحركات الانفصال والخطاب السلفي المتخلف، والخطاب المتأمرك والمتصهين ومحاولات الغرب والإعلام الغربي والصهيوني لتغيير المصطلحات وضرب ذاكرة الأجيال وصناعتها بما يخدم المخطط الغربي الصهيوني .‏

نكسة حزيران لم تكن تستهدف احتلال الأرض وحسب وإنما كانت تستهدف احتلال العقل العربي وتفريغه من مكامن قوته التاريخية والحضارية والنضالية وصوغه من جديد وزراعته باليأس والمرارة والهزيمة ، لأن العقل المصاب بمرارة الهزيمة تحت أي مظلة كانت ليس قادراً على صناعة الوجود وبناء الأمل.‏

نحن اليوم نعيش في زمن التنظير الخادع الذي يريد بعضهم بوعي أو من دون وعي أن يحول ضفاف الثقافة العربية الخصيبة إلى مستوطنات لثقافات الأخرين التي تريد الاستيلاء على الضفاف والمجرى وتغيير وجهة سفينة الأمة الحضارية المبحرة في مجرى التاريخ.‏

صحيح أن سفينة الأمة طوال مراحل التاريخ ظلت تواجهها التحديات.. لكنها ظلت مبحرة.. والمثقف العربي ظل مرتبطاً بجذوره .. فلماذا يحاول بعضهم اقتلاع رأسه من الواقع وفصله عن قضايا هذا الواقع؟ هل في الأمر عملية بيع وشراء ؟!‏

يقولون إن ابنة ديك تشيني تدور بين العواصم العربية لتدفع للمثقفين الجاهزين إلى تناول هامبرغر الثقافة الأمريكية المتصهينة.‏

ما يجري اليوم من محاولات لتفريغ الإنسان العربي من ذاكرته ومن أحلامه وتفاؤله ومن قوته في صناعة مستقبله ، محاولة خطيرة جداً وعلى المثقفين المتمسكين بعروبتهم مواجهة تلك الثقافات التخريبية وأصحاب الفتاوى المتطرفة لأي اتجاه والذين هم بشكل أو بآخر يهدمون جدار الأمة لينفذ بشكل أو بآخر منه الغزاة .‏

إننا مطالبون أن نميز بين الثقافة التي تعمل على هدم وجودنا في أي ثوب جاءت وبين الثقافة التي تجعلنا أكثر ثقة بقدراتنا وبمستقبلنا وأكثر قوة على التفاعل والعطاء الإنساني لأن الثقافة مهمة الجميع ، المثقف والسياسي ورجل الدين والأسرة والمدرسة والمجتمع بكل أطيافه.. الثقافة يجب أن تتحول إلى سلوك وأسلوب حياة وتفكير وحوار وبناء وقوة تحد ومواجهة لكل الثقافات الدخيلة ولكل الانتماءات الصغرى التي تحاول اليوم أن تطغى على الانتماء الكبير للأمة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية