تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة فــــــــــــي حـدث.. مكفوفون لكن مبصرون..

آراء
الخميس 14-1-2010م
د. اسكندر لوقا

أحسن صنعاً زميلنا الأديب الأستاذ عيسى فتوح، بتعريف الأديبة «ريم هلال» واصفاً إياها أنها «الأديبة التي نافست المبصرين». وتابع في سياق تعريفها لنا بأنها شاعرة وروائية وأكاديمية

استطاعت رغم كونها ضريرة أن تحصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها في العام 1998 من جامعة تشرين في مدينة اللاذقية حيث ولدت في عام 1960، ومن ثم غدت أستاذة النقد العربي الحديث في الجامعة عينها.‏

إلى ذلك يذكر الأستاذ فتوح أنها قد أصدرت حتى اليوم ثلاث مجموعات شعرية بين (1995 - 2001) ورواية واحدة هي «البصر والبصيرة» صدرت عن دار الآداب في بيروت عام 2002.‏

أتوقف عند هذا النبأ الذي يجسد مقولة أن في الحياة جانباً مضيئاً وجميلاً على حد قول الأستاذ فتوح لأنتقل من بعد إلى أمثلة أخرى تؤكد واقعية هذه النظرة إلى الحياة فأستحضر من ذاكرتي أسماء طالما استطاع أصحابها أن يؤكدوا حضورهم في عالم الفن والثقافة رغم إصابتهم بما أصاب الأديبة «ريم هلال» من تبعات فقدان البصر ومع هذا هزموا كل العوائق التي اعترضت سبل طموحاتهم فصاروا، حقاً، معالم بارزة لا في حدود بلدانهم فحسب بل في بلدان أخرى في أرجاء الدنيا جميعها، سواء في حياتهم أم بعد رحيلهم عن دنياهم.‏

في هذا السياق يمكننا استحضار أسماء مشاهير لا تزال وستبقى عالقة في الذاكرة البشرية منهم، على سبيل المثال لا الحصر، أحد أبرز كتاب القرن العشرين هو الأديب المتميز رغم إعاقته «لويس بورخيس»، فضلاً عن أسماء شعراء وعلماء ورسامين بينهم، أيضاً على سبيل المثال لا الحصر، لويس برايل الضرير الذي جعل المكفوفين يبصرون بأسلوب اللمس على طريقته التي ابتكرها أعني طريقة برايل، كذلك هيلن كيلر المرأة التي انتصرت على العوائق التي اعترضت طريقها بعزيمتها وصمودها وقوتها، إضافة إلى ديفيد باترسون الكفيف الذي حكم مدينة نيويورك، حيث قلما وجد سياسي ضرير في منصب حاكم مدينة كمدينة نيويورك.‏

وفي هذا السياق أيضاً لا ننسى شاعرنا الشهير بشار بن برد صاحب الديوان المعروف باسمه، الذي يعده الدارسون أهم البلغاء المكفوفين وإمام الشعراء المولدين. كما لا ننسى الفنان التشكيلي المغربي الضرير اسماعيل المسعودي الذي أبدع أروع اللوحات التشكيلية التي تميزت بتناسق ألوانها ومقاربتها الواقع. وأخيراً لا آخراً الشاعر اليمني الضرير عبد الله البردوني الذي لم تقف إعاقته حائلاً في طريقه وصولاً إلى سدة الشعر.‏

وبطبيعة الحال، ونحن بصدد إشارتنا إلى هؤلاء جميعاً، لابد أن نستذكر أديب العربية الشهير الدكتور طه حسين، لما له من حضور في عالم الثقافة المعاصرة لجيلنا وسيبقى له حضوره أيضاً في عالم ثقافة الأجيال اللاحقة.‏

إنها مجرد مقتطفات من سجل الاعلام الذين لم يخضعوا أنفسهم لواقع مرير ألم بهم وكان يمكن أن يشكل عائقاً منيعاً أمام خروجهم إلى ساحات الضوء بالمعنى المجازي لهذه العبارة، مخلفين وراءهم الساحات التي أظلمت في وجوههم لسبب أو لآخر.‏

إنها الإرادة، إذا ما آمن بها صاحبها بإيمان شديد، أعادت إلى ذاكرته حكاية النملة التي علمت أكبر قادة التاريخ القديم أعني اسكندر المقدوني كيف يتخطى جبلاً كان يشكل عائقاً أمام قواته، بالصبر وبالإيمان بما يملك في ذاته من عناصر تحقيق النصر. وهذا ما أكدته الأديبة «ريم هلال» عبر مسيرتها في مواجهة الصعاب.Dr-louka@maktoob.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية