تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أم البنــــــات

ساخرة
الخميس 14-1-2010م
معتصم دالاتي

الأفراح كالمصائب تأتي دفعة واحدة، ولذا فإن أم مريم لم تكن تتسع لها الدنيا لفرط سعادتها، إذ تمت خطبة مريم، وبعد أقل من شهر واحد جاء عريس لفاطمة أخت مريم.

وأي سعادة تفوق سعادة الأم بخطبة أو زواج ابنتها؟ فما بالك بأن الله قد فضل عليها بعريس لكل من ابنتيها الوحيدتين مريم وفاطمة؟ وبفاصل لايتعدى الشهر تم زواج البنتين.‏

صحيح أن كلتا البنتين جاء نصيبهما إلى الغربة، لكن النصيب لا أحد يقف بوجهه، وما دام الزوج حميد السيرة ويكسب قوته ويستطيع أن يفتح بيتاً ويحمي زوجته ويسترها، فالغربة ليست بذات أهمية كبيرة.‏

كان نصيب مريم لرجل من قرية تبعد بضعة كيلو مترات عن مدينتها، وهذا الرجل مستقل في عمله في صناعة الفخار. أما فاطمة فكان زوجها مزارعاً تبعد قريته عن قرية أختها مريم بضعة كيلو مترات أخرى.‏

بعد السعادة التي غمرت قلب أم مريم بخطبة ابنتيها، تم زواجهما، فأحست بالفراغ الكبير الذي أحدثه غياب الصبيتين عن البيت، ولم يبق معها في المنزل سوى أبي مريم وبدأ قلبها المشتاق ينشغل ويتوق إلى أخبار البنتين فلم يكن في ذاك الزمن هاتف، والسفر حتى إلى القرى المجاورة لم يكن بالأمر السهل لواحدة مثل أم مريم.‏

بعد شهرين أو ثلاثة من الحدث المهم أي زواج البنتين قالت أم مريم لزوجها أبي مريم: والله يا أبا مريم فكري مشغول على مريم وفاطمة، الله يوفقك يا رجل اذهب لزيارتهما حتى تطمئن وتطمئني عنهما، وحتى يعرف زوجاهما أن لهما أهلاً يسألون عنهما.‏

ركب أبو مريم البوسطة متجهاً إلى قرية ابنته الأولى، فاستقبلته مريم وزوجها أجمل استقبال وبعد ثلاثة أيام سمحا له بصعوبة كبيرة بالسفر وقد اطمأن الأب على ابنته لكن في إحدى الجلسات حدثته أن زوجها الفاخوري قد اشتغل كمية كبيرة من الأواني الفخارية وهذه الكمية معرضة الآن للشمس كي تجف، فإذا نزلت المطر فستتلف الطبخة بكاملها ويخرب بيتهم، ولاسيما أن شهر نيسان هذا لا أمان لطقسه فدعا الأب الطيب لابنته بصحو الطقس، وبالشمس الحارة. ثم قصد قرية ابنته الثانية حيث استقبلته ابنته فاطمة وزوجها أحسن استقبال وقد أخبرته هي بدورها في إحدى الجلسات أن زوجها المزارع قام بزراعة أرضه بكاملها قمحاً، والموسم هذا يعتمد على أمطار نيسان، وإذا لم ينزل المطر في هذا الشهر فسوف يذهب الموسم ويخرب بيتهم فدعا لها بالمطر الغزير.‏

حين عاد أبو مريم إلى بيته استقبلته زوجته أم مريم بلهفة تسأل عن أخبار بنتيها، فأجابها (ولولي يا مرا) قالت: على من؟ قال: لاأعرف.‏

لكن مصيبة ستنزل على رأس إحدى البنتين فإذا جاد ربك بالمطر فسيخرب بيت بنتك مريم، وإذا حبس رب العالمين المطر فسيخرب بيت بنتك فاطمة، ثم روى لها حديث البنتين.‏

لم تعرف أم مريم ماذا تفعل؟ هل تدعو ربها بحبس المطر من أجل جِرار مريم؟ أم تصلي صلاة الاستسقاء من أجل قمحات فاطمة؟‏

كان الله بعونك يا أم مريم، فلقد كنت تحملين همّ مريم وفاطمة وتخافين أن يفوتهما قطار الزواج وبعد أن تزوجتا أصبحت تحملين همّ مريم وفاطمة وزوج مريم وزوج فاطمة وفوقهم همّ الشمس والمطر والِجرار والقمحات.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية