تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مكافحةالإرهاب.. ذريعة للهيمنة على الشعوب

دراسات
الخميس 14-1-2010م
منير الموسى

خلال العقد الأول من القرن الجديد الذي انتهى بأزمة مالية عالمية خانقة لم تعد المستحيلات ثلاثة كما يفترض أن تكون، فغول سياسات المصالح الناجمة عن جشع الشركات العابرة للقارات والمضاربات أضحى بين ظهراني العالم يقامر باسم إحقاق العدالة بلبوس مملوء بالتدليس على مواثيق حقوق الإنسان.

وقوّض استبداد المؤسسات السياسية والإعلامية الغربية ولاسيما الأمريكية منظومة القيم ومعاني حرية التعبير وحقوق الإنسان، وكل ذلك لنشر نموذج الديمقراطية الليبرالية في أنحاء العالم على أن المحاولات غير الناجحة جعلت الذهن الاستراتيجي لتلك المؤسسات يتفتق عن فرض عقوبات اقتصادية هنا وهناك وخلق اضطرابات وأدت إخفاقاتهم إلى اللجوء إلى أساليب أخرى، مثل الحروب الاستباقية التي خلفت الفوضى في العراق وأفغانستان وغيرهما وأودت بسمعة بلادهم أو الحروب الناعمة وحروب الأعصاب ضد الدول والمقاومات التي تقف في وجه قوى الهيمنة التي لا تحترم إرادة الشعوب.‏

في هذه الآونة يمر عام على تبؤ الرئيس الأمريكي باراك أوباما كرسي الرئاسة، ووهم التغيير لا يزال يداعب آمال شعوب ذاقت المر بسبب سياسات سلفه جورج بوش مع أن أوباما وعد في خطابه في القاهرة في حزيران بطي صفحة الماضي والقطيعة مع الفوضى التي أحدثها المحافظون الجدد واعداً بسياسة جديدة تقوم على الحوار واحترام الخصوصيات الثقافية للشعوب.‏

ويعتقد كثيرون أن اليمين الأمريكي والتراث البوشي اللذين تعاني منها الإدارة الأمريكي كبحا رغبة أوباما في التغيير فأخفقت أمام السياسات الإسرائيلية المتعنتة التي ترفض الاستيطان في الضفة الغربية وتتهرب من استحقاقات السلام وجعلا من مقولة بنجامين فرانكلين التي قالها يوم إعلان الاستقلال الأمريكي صحيحة مئة بالمئة ويبقى «من النادر أن تهيمن على التاريخ، الأرواح الحميدة التي تتسم بالتعاون وبعد النظر وضبط النفس».‏

ولعل أمريكا لا تستطيع أن تحقق أهدافها في السيادة العالمية إلا من خلال توجهات استباقية تتطلب تعزيز مصالحها حول العالم وفرض قيمها في الخارج، ما تطلب تحول الحرب على الإرهاب إلى سلطة للابتزاز وسطو على الحق والعدالة وتقويض لهما، فلا أوضح من أن مفهوم الإرهاب غدا مشروعاً مقدساً للهيمنة على إرادة الشعوب وتقرير مصيرها وباعتراف الغرب نفسه أن العولمة أفرزت تحديات غير تقليدية لا تحترم الحدود الوطنية للدول.‏

ويلاحظ أن العقد الأول من القرن عرف تراجعاً في أنصار الأمم المتحدة والتعاون الدولي وتقهقراً في ضمان انتشار الاستقرار والحرية والديمقراطية والعدالة التي تعد أحجار الزاوية في بناء العلاقات الدولية.‏

ولعل الأزمة المالية ستجعل العالم يشهد موجة ثانية من موجات العولمة أكثر عمقاً وأشد وطأة في العقد الثاني.‏

فالغطاء السياسي للشركات المتعددة الجنسيات ينبئ باستباحة سيادات الدول عموماً وفي الشرق الأوسط خصوصاً ومصادرة حريات الرأي والتعبير في قوانين استبدادية صور آخرها عن الكونغرس الأمريكي لوقف أكثر من 10 قنوات عربية بينها قناتا «المنار والأقصى» التابعتان للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية على أن الفضاء الإعلامي الغربي يعمل تحت أسماء حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام ويبث ما يريد من أفكار ورؤى إلى العالم ويخلق أزمات في العالم، وغيض من فيض التضخيم والتحريض في إيران باستخدام أساليب مختلفة من الضجيج الإعلامي الذي لا يتناسب مع ضآلة الاضطرابات التي حدثت في 27 الشهر الماضي لخداع البعض وإثارة الفتن للتدخل في الشؤون الداخلية، ثم الفوضى التي ساهم بحدوثها في الصومال والعراق وأفغانستان والسودان وتغطية الحرب على لبنان 2006 وعلى غزة أواخر 2008 وبداية 2009 مصوراً أنها حروب على الإرهاب لتشريع انتهاك حقوق الإنسان والتعتيم على الحقيقة.‏

والإعلام الأمريكي يدافع عن السياسات الإسرائيلية التي تقض الأمن العربي وتستبيح دماء العرب بينما يقول السيناتور جون ماكين إن من حق الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات على كل من يروج للإرهاب على حد تعبيره؟! فهل التفتوا إلى الإرهاب الصهيوني؟‏

ويبدو أن ثمة حرباً على حرية الإعلام وعلى حق الشعوب في التعبير عن مصالحها والولايات المتحدة التي تعاني إخفاقاً في استراتيجيتها في أفغانستان القائمة على الشاملة والتي قد تكون آخر حروبها على ما يسمى الحرب المفتوحة على الإرهاب، هي إذ تنتهك سيادات الدول الأخرى فذلك تعبير على أنها نصّبت نفسها حاكماً على العالم وأنها فوق الشرعية والقانون الدوليين وهي في تناقض مع خطاباتها حول الديمقراطية التي تنادي بها وتريد استنساخها في الشرق الأوسط.‏

وبدلاً من خطوات كهذه ألا يجدر التفكير بتحقيق عصر جديد من التكامل العالمي وحل مشكلات المنطقة وإحلال السلام فيها وكذلك كف يد السيادة الأحادية التي تشهد في هذه الآونة أزمة كبيرة في بسط النفوذ والإصرار على التدخل باسم قضايا الإرهاب وتحويلها إلى غنائم، بدلاً من العمل على رعاية السلام وإحلاله والمساهمة في عودة الازدهار في العالم واحترام حريات الشعوب فتسقط عندها أساطير التدخل باسم الحرب على الإرهاب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية