تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إنهاء الانقسام الفلسطيني... ضرورة ملحّة

دراسات
الخميس 14-1-2010م
حسن حسن

التفاؤل واجب نحو مسيرة اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وخاصة بين الشقيقين «فتح» و«حماس» لكن التفاؤل يظل مشوباً بحذر مرغوب فيه، ليس لارتياب في نيات كامنة، أو مكبوتة في نفوس المتصالحين، وإنما وهذا هو الأهم لظروف خارجية،

تحيط بما تم، ولأن الحذر بالضرورة يولد اليقظة والتأهب، من أجل نجاح هذه المصالحة، ووقوفها على أرضية ثابتة، تحميها من أن تهتز.‏

والتفاؤل تعززه تطورات دولية إيجابية، أولها الرئيس باراك أوباما ومايبديه حتى الآن من اهتمام بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، على الأقل لأن سلفه جورج بوش، كانت لديه سياسة هدفها الأول والأخير، تصفية القضية الفلسطينية، وليس حلها، فالتعيين السريع لجورج ميتشل، وإيفاده المتكرر للمنطقة، وتأكيد الالتزام بـ «حل الدولتين» وإبراز إيجابيات في مبادرة السلام العربية، والتوضيح أن التفاوض ليس غاية، وإنما وسيلة يجب ألاتستمر إلى مالانهاية، كل ذلك يشير إلى نهج أميركي رسمي مختلف عن السابق.‏

ومع أن ماذكر يمكن أن يوسم بكونه لايخرج عن إطار العلاقات العامة التي تنطلق بها الإدارات الأميركية بالعادة، لتعود وتتراجع عنها رويداً رويداً جراء ضغوطات متعددة، إلا أن هناك أمرين يجب التوقف عندهما، الأول، إنه بخلاف توجهات الإدارة السابقة التي عملت على تفتيت الملفات في المنطقة وبعثرتها بـ الفوضى الخلاقة تعلن الإدارة الحالية استيعابها لترابط المشكلات الشائكة في المنطقة، وتدرك أن إيجاد تسوية للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي يقع في مركز هذه الملفات، ويعتمد عليه لحلحلتها جميعاً، هذه القناعة تقود إلى الأمر الثاني والذي يشكل تطوراً نوعياً في السياسة الأميركية، وهو الإعلان أن إقامة دولة فلسطينية مصلحة للأمن القومي الأميركي، في هذا الأمر تحديد واضح لتسلسل أولويات معالجة ملفات المنطقة.‏

وثانيها: الموقف الأوروبي الجديد الذي تجلى في إعلان بروكسل، ومايشكله من إدانة مهمة لكل ماتقوم به اسرائيل من إجراءات أحادية في القدس الشرقية سواء من عمليات هدم منازل للفلسطينيين وتشريدهم أو من خلال بناء أحياء استيطانية جديدة من دون رادع أو وازع، ورغم أن اسرائيل عمدت إلى تجاهله إلا أنه سيشكل ورقة رابحة في يد الفلسطينيين على طريق بناء دولتهم.‏

وثالثها: تقرير غولدستون الذي تحدث بوضوح عن ارتكاب الجيش الاسرائيلي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، وقد كان له وقع الصاعقة في اسرائيل والتي رأت أن وجه الخطورة في التقرير يكمن في أن مسؤولاً دولياً تجرأ على اتهامها صراحة بارتكاب جرائم حرب، وهي تخشى أن يكبل التقرير يديها في أي حرب مقبلة مع الفلسطينيين أو مع لبنان، ولاتريد أن يشكل سابقة في إدانتها أو تعريض مسؤوليها للملاحقة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.‏

يبقى جانب الحذر، الذي يشكل سداً أمام أي احتمالات سلبية، ممن لن يرضيهم هذا التطور، ولنا ألا ننسى أن رهان نتنياهو على حرب أهلية بين الفصائل الفلسطينية، تتكفل نيابة عنه بتصفية القضية، إن الحذر يقتضي:‏

1- أن يتحرك العمل الفلسطيني من الآن على أساس رؤية مشتركة في التعامل مع اسرائيل والوضع الدولي وإعادة صياغة شاملة لمفهوم المقاومة، حتى لاتنطلق كقطار، يتقابل من الناحية الأخرى وعلى نفس القضبان مع قطار العمل السياسي، فيقع التصادم، والخسارة هنا لراكبي القطارين، وكلهم أصحاب القضية، فالمقاومة نتيجة حتمية للاحتلال هذه حقيقة تاريخية، لكن المقاومة تظل متناسقة مع العمل السياسي، تعززه وتكمله.‏

2- أن يتحرر المشاركون في عملية المصالحة من حسابات وقيود الانتماء الحزبي، وهو الدرس المستخلص من تجارب مختلف حركات التحرر الوطني، والسبب الأول والأخير لنجاحها، لأن الخروج على وحدة الهدف وهو التحرير، لحساب أهداف جانبية ليس سوى خيانة لقدسية قضية التحرر الوطني.‏

3- إن الانقسام الفلسطيني سيعزز موقف اسرائيل الرافض أي تسوية للقضية، بل إنها تتجه إلى التصعيد ولاسيما في القدس بحيث تتكرر اقتحامات المتطرفين اليهود والشرطة الاسرائيلية للحرم القدسي، الأمر الذي يكشف عن نية اسرائيلية لاستغلال الوضع الفلسطيني المهترئ في استكمال مخطط تهويد القدس، واسرائيل تستفيد طبعاً من الوضع الفلسطيني الحالي كي تمضي قدماً في خطط الاستيطان وفرض الأمر الواقع.‏

إن مايضيف إلى مبررات الحذر، هو صورة الموقف العربي الراهن عموماً، والذي يفتقد للحد الأدنى من العمل الاستراتيجي المشترك تجاه القضية الفلسطينية، والصراع العربي - الاسرائيلي بوجه خاص، وهذا الانقسام يقوي بدوره من الضغوط على المتصالحين ويدعم خطط أي قوى خارجية، وخاصة اسرائيل للتربص بالمصالحة ومسيرتها ونتائجها.‏

والتفاؤل بدعوات أميركية لاستئناف المفاوضات وتحريك العملية السلمية، تبقى حتى الآن شواهد،، تنقصها خطوات عملية وملموسة، وإن ما قد يغري أوباما على التحرك الفعلي، هو جدية الفلسطينيين أنفسهم في التعبير عن قضيتهم، ومايجمعهم من رؤية مشتركة لإدارة قضيتهم، وليس الدخول في صراعات تقيم فيما بينهم وبين بعضهم خط مواجهة، يشوش على خط المواجهة مع إسرائيل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية