تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أبجدية غزة التي أدركها أحرار العالم

دراسات
الخميس 14-1-2010م
فؤاد الوادي

أخيراً.. وعلى وقع أصوات الطائرات الإسرائيلية التي لاتزال تغتال كل شيء، البشر والشجر والحجر من جهة، وعلى وقع الصمت العربي من جهة أخرى.. عبرت قافلة المساعدات الإنسانية «شرايين الحياة3» إلى غزة مخترقة كل الحدود الفولاذية

التي صنعها البشر في زمن تقطعت فيه شرايين الحياء عند الكثيرين في هذا العالم المزيف.. بدءاً بأولئك الذين يِدّعون الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان وانتهاء بالإخوة والأقربين.‏

أخيراً دخلت تلك القافلة التي أطلقت على نفسها «شرايين الحياة 3» غزة يقودها القادم من بريطانيا جورج غالاوي وفي ظن الكثيرين الذين يجهلون أبجدية غزة والذين لايفقهون شيئاً عن المقاومة والإباء والصمود أنها ستقدم للفلسطينيين الصامدين هناك الحياة والدعم والمساندة.. إن كانوا يعتقدون ذلك فلا عتب عليهم مهما فعلوا لأنهم لم يتوصلوا بعد إلى تلك الحقيقة التي جهلها العالم كله وعلمها الصامدون وحدهم هناك الرافضون لكل أشكال الاحتلال والعبودية والتبعية.. تلك الحقيقة التي تقول إن غزة البطلة بأطفالها ونسائها ورجالاتها وشجرها وحجرها هي التي سوف تمد القادمين إليها بكل معاني الحياة والدعم والبطولة وليس العكس، ومن يريد التأكد من ذلك فليستمع إلى ماقاله الذاهبون إلى هناك.. عندما وطأنا أرض غزة أحسسنا أننا كل شيء واكتشفنا أننا كنا قبل ذلك لاشيء.. علمتنا البطولة والصمود والعظمة.. علمتنا كيف يكون الإنسان حراً حتى لوكان محاصراً من العدو والشقيق وحتى لو كان في سجن كبير محروماً من كل مايظنونه أشكالاً للحياة. نشعر اليوم أننا نمتلئ بالنشوة والكبرياء.. حقاً إننا كنا موتى واليوم عرفنا معنى الحياة الحقيقية.. تلك هي الكلمات التي رددها كل الذين زاروا غزة عسى أن يفهمها أولئك الذين لايزالون يجهلون السر الحقيقي وراء صمود وقوة شعب غزة، على الرغم من الكم الهائل من الدمار والموت المحيط بهم.‏

إن المحزن في ذلك هو استمرار غياب الدور الرسمي العربي الذي يصر على إطباق الجفون وصم الآذان عن كل مايفعله الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة عموماً وغزة خصوصاً من إرهاب وقتل وتعذيب وتشريد وتجويع وحصار، والأشد إيلاماً من هذا وذاك انتقال بعض الأدوار العربية من مظهر المتفرج الصامت إلى مظهر المشارك والمعرقل للجهود الإنسانية لمساعدة المحاصرين والمجوعين في قطاع غزة.‏

هذا الدور المخزي العربي الجديد يتزامن مع ولادة حركات شعبية غربية في بعض العواصم الأوروبية داعمة للقضية الفلسطينية انطلاقاً من فهم جديد لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي يستند إلى اعتبار أن ماتقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين يعد انتهاكاً صارخاً لكل حقوق الإنسان التي نصت عليها كل المواثيق الدولية وبالتالي يتوجب على كل دول العالم عدم الوقوف مكتوفة الأيدي والتحرك سريعاً واتخاذ خطوات ومواقف صريحة وواضحة لوقف هذه المجازر الوحشية التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين وهو ماعبر عنه صراحة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عندما قال: إن الدفاع عن غزة بات واجباً تفرضه القيم الإنسانية العالمية وإن تركيا لن تقف بعد الآن متفرجة في الساحة الدولية.‏

هذه الهبة الشعبية التي قام بها أحرار العالم لدعم غزة في بعض العواصم الغربية لابد أن تقترن بهبة شعبية عربية وحكومية مقابلة حتى تغذيها وتدعمها لكي لاتنطفئ وتخبو بسرعة.. طبعاً هذا بالإضافة إلى بذل الجهود العربية لإعادة اللحمة إلى النسيج الفلسطيني الذي يتعرض يومياً للتمزيق شرط توفر الإرادة الفلسطينية الحقيقية بالمصالحة.‏

إن استمرار القتل والتعذيب والتشريد والحصار ضد أبناء الشعب الفلسطيني لابد أنه سيزيد من جهة حركة التضامن العالمية معهم، ولابد له من جهة أخرى أن يزيد غزة قوة ومناعة وحياة ،فلا خيار أمامها إلا الموت بكرامة عوضاً عن الموت بذل وعار.. تلك هي أبجدية غزة العزة التي فهمها أحرار العالم والتي لايزال البعض يحاول تجاهلها إلى الآن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية