تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحروب الاستباقية والحكمة المفقودة

دراسات
الخميس 14-1-2010م
بقلم الدكتور فايز عز الدين

خلال عام مضى على الادارة الأميركية الجديدة كان منطق سياسي يشير إلى أن ثمة تغييراً سيكون في السياسة التقليدية لأميركا، حتى تستعيد هيبتها العالمية، وتتخلص من عقابيل ما جرته عليها استراتيجية الحروب الاستباقية

أو سياسات التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو تنصيب نفسها القيّم الديمقراطي العالمي، وصاحب القول الأخير فيمن يكون محسوباً على الديمقراطية ومن ليس من هذا الحساب.‏‏

ومما لاشك فيه أن البشرية قد استبشرت خيراً من توجهات الادارة الأميركية برئاسة أوباما، وساد شعور تفاؤلي عالمي بأن مرحلة دولية جديدة سوف تنشر ظلالها الايجابية وتدخل دول العالم سياسات التفاهم والتعاون من أجل التصدي لأزمة الاقتصاد، والمال العالميتين، ثم يتم التوجه نحو المسائل التي على ضوء وجود الحلول لها أصبح يتقرر مصير الكثير من أمم الأرض، وشعوبها. وخاصة البيئة الطبيعية والاجتماعية وما لحقهما من تدهور. وقضية التخلف والجوع والتصحر، وسقوط أكثر من مليار نسمة تحت خط الفقر.‏‏

ومن الطبيعي أن تكون السنة الأولى على الادارة الأميركية الجديدة والرئيس هي سنة اختبار لكيفية توجيه دفة السياسة العامة والطبيعة الجديدة في القرار وما يهمنا -نحن في المنطقة العربية وصراعنا العربي ضد الكيان الصهيوني الغاصب الاستيطاني العنصري- هو أن الرئيس أوباما قد أعلن عن سياسته في وجود حل للصراع بين العرب واسرائيل يبدأ من الاعتراف بدولة للفلسطينيين ووقف الاستيطان والشروع بدخول عملية التفاوض وصولاً لهذا الغرض الذي هو الحل، وأرسل مندوبه للسلام السيد ميتشل.‏‏

ومنذ أعلن الرئيس أوباما عن رغبته في البدء بوقف الاستيطان هبت عليه العنصرية الصهيونية بعدم رغبتها بهذا الوقف واعتبرت أن الرئيس الأميركي الجديد يرفع سقف المطالب وهذا الشأن ليس من شأنه والتفاوض بدون شروط مسبقة هو نقطة البداية ومن المعروف أن الرئيس أوباما كان قد ملك من تجربة بوش الابن والجمهوريين أن التفاوض الذي تريده اسرائيل لا يمكن أن يقنع أحداً بأنه تفاوض البحث عن حلول وانما هو تفاوض اطالة الوقت، وامتصاص حماس المجتمع الدولي، وفرض الشروط الصهيونية على أي طرف عربي يدخل مثل هذا الشكل من التفاوض.‏‏

ومع أن الرئيس أوباما قد أبدى حماسته في البدء بوقف الاستيطان الصهيوني في الضفة والقدس لكن الذي مثل الفجوة الأولى في ادارته هو موقف نائبه، ووزيرة خارجيته حيث هما معاً مع مطلب اسرائيل في وجوب عدم البدء من وقف الاستيطان ودعوة جميع الأطراف إلى التفاوض على قاعدة أن الحل من المفاوضات المباشرة وحسب دون أي ضمانة من أميركا للأطراف العربية التي أقنعتها الغطرسة الاسرائيلية بأنها لا تلعب دور الشريك في السلام وانما تلعب دور المتحايل على كل منطق جدي عملي للسلام كسباً للوقت وبوهم أن مرحلة دولية ما يمكن أن تعطي لاسرائيل الأرض والأمن والسلام ويذعن العرب لهذه الارادة.‏‏

وبناء عليه فقد كان يعلن السيد الرئيس بشار الأسد أن اسرائيل- بعد المفاوضات غير المباشرة في تركيا- تعطي العرب قناعة جديدة بأنها لا يمكن أن تكون شريك سلام وليست لديها ارادة سلام وكلما توجهت حكومة صهيونية نحو سلام صار من المؤكد أنها لعبة تكتيكية حتى تتخلص اسرائيل من ضغوط المجتمع الدولي عليها، وتتحذلق بإلقاء اللوم والتبعة على العرب طالما أن آلة الاعلام الغربي الليبرالي تساندها في هذه الحذلقة.‏‏

في 21/12/2009 كتب فيليب جيرالدي حول سنة أوباما التي انتهت تقريباً مشيراً إلى وعد الرئيس بالتغير والتغيير والعودة إلى مبادئ الآباء الأميركيين المؤسسين حتى تستعيد أميركا قوتها وهيبتها وسمعتها فأشار الكاتب جيرالدي إلى وجوب أن تعترف أميركا بأنها لم تجن أي فائدة من حروبها في أفغانستان والعراق وفي أن سياسة القوة لم تخدم أميركا في أي أمر وأن الحروب الاستباقية لم تعد لها أي فائدة وأن سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم الرغبة بالتعامل مع من يتقرر أنه غير مرغوب فيه خاطئة وأن موقف أميركا المساند لإسرائيل بدون حدود يجعلها تخسر عشرات المليارات من الدولارات بنتائج عكسية بدل أن تكون صديقة لجميع دول المنطقة وأن نشاط الوكالات الاستخباراتية بالخارج لم يعط أميركا شيئاً. وأن سياسة مئات القواعد العسكرية على الكرة الأرضية لأميركا لم تعد على أميركا بما يصرف عليها وأخيراً يرى الكاتب أن البيروقراطية الفيدرالية المقنّعة في أميركا غير منتجة ولابد لها من اصلاح وأن سيادة القانون في أميركا لابد أن تستعاد والحريات العامة لابد من أن تتحسن. هذه هي مهمات الرئيس أوباما من وجهة نظر الكاتب فيليب جيرالدي وهي محاولة عودة كما قال إلى السنن التي وضعها المؤسسون حتى تتمكن أميركا من استعادة ما فقدته من احترام وهيبة.‏‏

وحين تكون الأحوال الداخلية لأميركا والخارجية كذلك في مثل هذا التعقيد كما أشار الكاتب، أليس من الجدير بنا نحن في الأمة العربية أن ندخل أجواء التعاون على تحديد استراتيجية تعامل موحدة نجبر بها أميركا على مراعاة ما لنا من حقوق وآمال وتقرير مصير أم أن اسرائيل سنتركها دوماً تلوي عنق القرار الأميركي كي يوافق مشاريعها وكأن تحرير أرضنا لا يجمعنا على مشروع؟!!.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية