تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الكُتّــــــاب والســــياســـــة ..أي علاقــــــــة..؟

ثقافة
الخميس 14-1-2010م
ترجمة: مها محفوض محمد

منذ أكثر من قرنين والعلاقة بين رجال القلم والسلطة في فرنسا علاقة عاطفية (بين مد وجزر) فكيف أصبحت اليوم؟ وأين الكتّاب من الالتزام؟

يجيب عن هذا السؤال الكاتب ستيفان جيوكانتي في بحث بعنوان:« تاريخ الأدب يبين أن النبوغ الفكري لا يتفق دوماً مع الوعي السياسي».‏

وفيه يرسم تاريخ العلاقة المثيرة بين السياسة والأدب الفرنسي وكيف استمرت علاقة الكتّاب مع السياسة في جميع الظروف في السراء والضراء منذ زمن فيكتور هيغو وحتى سارتر.‏

ويرى أن للفرنسيين خصوصية وتفرداً في هذا المجال عبر الأحداث التي مر بها أدباء فرنسا مثل بلوا وبيغي وبرنانوس وسيلين وموراس وأراغون دون أن ننسى بالطبع مالرو ومورياك وبول كلوديل ولكل سيرته ومشاكله وأخطاء لبعضهم ألغت ضعف الآخرين، فكم حاول البعض التقليل من أهمية أشعار بول اوليار عن ستالين في الخمسينيات وإبطال كتابات أراغون الذي مجّد معسكرات الغولاك في الاتحاد السوفييتي، كما هاجم البعض الرحلة التي قام بها شوردون إلى ألمانيا النازية عام 1942، بينما لا يزال كثيرون يمدحون رحلة بارت وسوليزر وكريستيفا عام 1974 إلى الصين رغم وجود المعسكرات فيها ولا ننسى عبارة كريستيفا ( من مدرسة كلود ليفي ستراوس) التي أكدت فيها أن ماوتسي تونغ حرر النساء وأنهى مشكلة الصراع بين الجنسين إلى الأبد. ورغم كل ذلك وكل الحماقات لا بد من القول إن الأدب أدى دوراً مهما في خدمة قضايا الفكر ونشر الوعي، وتشهد على ذلك الرسائل الودية المتبادلة بين الكاتب الشهير باريس (barres) والزعيم الاشتراكي جوريس مطلع القرن الماضي وبين باريس ورئيس وزراء فرنسا ليون بلوم في زمن أكد فيه مارسيل بروست أنه يجب علينا اتباع حمية لنتحاشى ارتفاع الضغط الذهني عند التفكير بما يحدث في فرنسا، ويذكر الكاتب أيضاً المعارك التي خاضها مورياك مؤكداً أن التآخي الأدبي كان دائماً سباقاًَ للرعب الإيديولوجي في مملكة اللغة الأدبية التي ينتمي إليها رجالات أمثال شاتوبريان وهيغو وموراس وكامو وبارمس وأراغون الذين تصالحوا فجأة وفي الضوء الساطع ويؤكد الكاتب أنه منذ كتابة الرواية الأولى في السياسة التي حملت اسم أميرة كليف إلى جوليان كراك لا يمكن لفرنسا أن تكون دون أدبائها وشعرائها.‏

أما لماذا لم يعد للأدباء تأثير كالذي كان في القرن الثامن عشر فالسؤال يدفعنا إلى الغوص مجدداً في تاريخ الأدب والتفكير بالمجتمع الناشئ غداة الثورة الفرنسية الذي قلل من أهمية الكتاب السياسيين, كذلك كان الأمر في زمن زولا وهيغو وغوتييه وبودلير وحينها قال الكاتب كينيه: لم يعد لهؤلاء الكبار تأثير على أمتهم كما كان لكتاب القرن الثامن عشر الذين قال عنهم توكيفل: لقد أصبح رجال الأدب في القرن الثامن عشر رجال السياسة الأساسيين في البلاد في الوقت الذي يأسف كينيه لما وصل إليه المجتمع الفرنسي بعد أقل من قرن ويصف تلك الحقبة بالخمول الفكري، حيث طغى تأثير النساء الأرستقراطيات اللواتي ملأن القصور الرسمية وانتشرن في كل مكان وساد مجتمع الحداثة. وفي مثل هذه المجتمعات يأسف العقل لعدم تمكنه من التواجد، والفيلسوف الأول هنا من يستطيع أن يكون في حالة اللاتفكير وربما يذكرنا هذا الكلام بالعصر الذي نعيشه مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.‏

أما في القرن العشرين وعلى مدى خمسين عاماً فقد عاد التأثير الكبير للأدب والأدباء مع برنانوس وبيغي وأراغون وكامو وسارتر وبوفوار ومورياك، سلسلة من العظماء الذين لعبوا دوراً أساسياً ومؤثراً في السياسة وتركوا بصماتهم في الزمن الذي عاشوا فيه ومنهم من تقلد مناصب عليا مثل أندريه مالرو الذي شغل منصب وزير الشؤون الثقافية وكان حتى في لقاءاته الصحفية وعند تناول طعام الغداء يتحدث مع الحضور عن عمل أدبي أو رواية مشهورة، أما اليوم فغالباً ما يكون الحديث عن مباريات كرة القدم، فهل نحن في زمن الخمول الذهني الذي تحدث عنه كينيه؟ أم نحن على أبواب انطلاقة جديدة للأدباء تتزامن مع القيم الاقتصادية التي أفرزها العصر.‏

اليوم نسمع في المجتمعات الاقتصادية دعوات إلى الحذر تذكرنا بزمن الصعود الأدبي عندما كان الكثير من المثقفين يطلبون توخي الحذر، وهذا ما حدث حين قامت جماعة من الأدباء بتأييد سياسة ماوتسي تونغ كذلك عندما قام المفكر ميشيل فوكو بالدعوة إلى نصرة الإمام الخميني، فهل جاء وقت لنضع حداً لهذا التلاقي القائم بين الأدب والمعرفة.‏

يبقى أن نقول: إن الأدب بجوهره مقاوم لأنه رافض للأشياء أن تبقى كما هي وداع إلى الوعي ليبدل وجهه. فلا نستطيع الفصل بين الالتزام والكتابة لأن الكتابة هي ثورة للتفكير نحو الأفضل، ألم يشرح لنا فيكتور هيغو نظرته الجديدة إلى المجتمع في كتابه البؤساء؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية