|
شؤون سياسية إلا أن الفترة الأخيرة فرضت على واشنطن القبول ضمنياً بمبدأ تقاسم بعض مساحات السياسة الدولية مع الدول الكبرى, لا سيما روسيا, التي يبدو أنها بدأت تجني ثمار نهج السياسة الخارجية الذي تبنته في السنوات الأخيرة. ولعل الدور الروسي في مؤتمر أنابوليس, وفي حل أزمة الملف النووي الإيراني, وغيرها من قضايا دولية خير دليل على ذلك. هذا هو محور الحديث الذي أجريناه مع السيد سرغيه كيربيتشينكو , سفير جمهورية روسيا الاتحادية في دمشق. * لنعد إلى ما قبل أنابوليس, ما هو الدور الذي لعبته روسيا في هذا المؤتمر? ** إن فكرة الاجتماع في أنابوليس للبحث في قضية الشرق الأوسط تعود إلى الطرف الأميركي, فهو من اقترح الفكرة, وبدورها أيدت روسيا عقد هذا الاجتماع وسعت لأن يتم. كنا نرى في اجتماع أنابوليس إمكانية تحويله إلى نقطة انطلاق لعملية تفاوض سياسية جديدة في الشرق الأوسط, أي انطلاق على أمل تحقيق التقدم على مختلف المسارات (السوري-الإسرائيلي واللبناني-الإسرائيلي, والفلسطيني-الإسرائيلي), للتسوية في الشرق الأوسط. في ما يتعلق بالإعداد للاجتماع, اجتماع أنابوليس, فبرأيي أن الوقت لم يكن كافياً حتى يتم التحضير له بشكل جيد, ومن هنا بعض المشكلات التي كانت تعترض نجاحه. فالفترة كانت قصيرة جداً, وجرت في ظروف تسيطر فيها حالة قاسية على منطقة الشرق الأوسط, وعلى سبيل المثال لا تزال هناك حالة العنف قائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, كما أن الانقسام الفلسطيني أثر على إمكانيات نجاح أنابوليس. من هنا أقول إنه لو كانت فترة الإعداد أطول لأثر هذا بصورة إيجابية على النتائج التي يمكن توقعها من اجتماع أنابوليس. * هل يمكن أن نقول إن العجلة في الإعداد لمؤتمر أنابوليس وعقده, قد تكون مؤشراً على أن الهدف من كل هذا ليس السلام بحد ذاته, وإنما تحقيق أمر ما لصالح إدارة بوش? ** لا نريد أن نشكك بالنوايا الحسنة للمشاركين في أنابوليس, ونحن ننطلق من مبدأ النوايا الطيبة لجميع الأطراف المعنية, وإلا فلن ينجح لا هذا الاجتماع ولا الاجتماعات اللاحقة. لذلك دعونا الجميع للمشاركة في الاجتماع بنوايا حسنة, وهذا شرط لإنجاح التفاوض بخصوص حل القضايا العالقة في الشرق الأوسط. * ما الدور الذي لعبته موسكو في هذا المجال? ** كان للدور الروسي تأثير حاسم في بعض نواحي الإعداد لمؤتمر أنابوليس, وفي الحقيقية كنا نود أن يشارك في هذا الاجتماع العدد الأكبر من الأطراف المعنية, ولهذا بذلنا الجهود في إقناع أطراف رئيسية للمشاركة فيه. وبرأيي فإن المشاركة في أعمال أنابوليس حصيلة ذلك جاءت جيدة. * هل تعتقدون أن ما جرى في أنابوليس يقوي الأمل بالتوصل إلى سلام في المنطقة? ** لدى أنابوليس إيجابيات وسلبيات. من إيجابياته أنه شكل فرص لكل الأطراف المعنية بعملية التسوية, أن يطرح كل طرف وجهة نظره بخصوص رؤيته لمستقبل العملية السلمية والتفاوض بشأن قضية الشرق الأوسط, وهذا شيء جيد. أما نواقص أو سلبيات مؤتمر أنابوليس فهي أنه كان خالياً من تفاهمات أو اتفاقيات بعيدة المدى, إن كان هذا على المسار الفلسطيني-الإسرائيلي أو على المسارات الأخرى, لم تكن هناك تفاهمات. لكننا نعترف أن مجرد انعقاد هذا الاجتماع هو تطور جيد بحد ذاته نظراً للظروف القاسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط. * وافقت الولايات المتحدة على عقد جلسة أخرى, استكمالاً لأنابوليس, في موسكو, ماقراءتكم لذلك ? ** كان السيد سيرجي لافروف, وزير الخارجية الروسي, قد اقترح عقد مؤتمر دولي للسلام في موسكو, تجري فيه مواصلة بحث ما بدأ الحديث حوله في أنابوليس, ومن ثم التوسع في مجموعة المواضيع لتشمل كل جوانب التسوية في الشرق الأوسط. ثانياً أتصور كل من له صلة بقضايا الشرق الأوسط, يدرك أن التفرد في التوسط من أجل التسوية لا يؤدي إلى نجاح. فهناك آليات فعالة مثل اللجنة الرباعية التي تضم روسيا والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والأمم المتحدة, وهي تؤدي دورها في هذا المجال. * آميركا تعيد روسيا إلى ملف رفضت في السابق تقاسمه مع أحد. فما الذي استجد في العلاقة بين موسكو وواشنطن ? ** لا أعتقد بوجود أي صفقات أو تبادل خدمات بيننا وبين واشنطن في هذا المجال. كل ما في الأمر. وأتصور أن هذا جاء نتيجة فهم لمدى صعوبة وتعقيد قضية الشرق الأوسط, هذا الواقع الذي يفرض على الأطراف المعنية إدراك أهمية وضرورة الجهود الجماعية من أجل إنجاح التفاوض في الشرق الأوسط. * برأيكم هل يمكن القول إن موافقة الولايات المتحدة عل طلب السيد لافروف بعكس مأزق السياسة الخارجية الأميركية, الذي دفعها إلى طلب المساعدة من موسكو? ** المأزق للأسف أكبر من هذا, فنحن نواجه مأزق في الشرق الأوسط, نتيجة التباطؤ وعدم حصول أي تقدم في حل النزاعات العالقة فيه. من هنا جاءت فكرة أنابوليس, ومنها أيضاً جاءت أفكار أخرى للعمل الجماعي من أجل التوصل إلى تسوية لنزاع الشرق الأوسط. *هل تعتقدون أن إسرائيل ستشارك هذه المرة في مؤتمر موسكو المتمم لأعمال أنابوليس? ** نحن نأمل ذلك, لأن أنابوليس أثبت أن المشاركة الواسعة إحدى المقومات الضرورية والرئيسية لإنجاح أي اجتماع يبحث قضايا الشرق الأوسط. ولذلك نأمل أن تدرك جميع الأطراف المعينة ضرورة المشاركة بنشاط في الفعاليات من هذا النوع. ولدينا أمل في أن ننجح بإقناع الأطراف المعنية بالمجيء إلى موسكو والعمل على أساس المواقف البناءة. * إسرائيل ترفض القبول بالشرعية الدولية على أرض الواقع. كيف ستتصرف موسكو حيال ذلك? ** بكل تأكيد هناك مرجعية واضحة متمثلة بقرارات مجلس الأمن الدولي, والاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية, وخارطة الطريق, هذه كلها تمثل الأرضية القانونية لمواصلة العملية السلمية في الشرق الأوسط. لا يمكن تجاهل هذه المرجعية, وإلا فإن التجاهل سيعيدنا جميعنا إلى (مربع الصفر). لا بد أن نبني صرح السلام في الشرق الأوسط من النقاط التي توصلنا إليها, وليس من البداية من اللاشيء, وسنحاول إقناع جميع الفرقاء للاعتراف بذلك. * إذا هل تعتقدون أن أنابوليس يؤسس لما يمكن بناء السلام عليه مستقبلاً في المنطقة? ** نأمل ذلك. على الأقل هو يعطي الأطراف المعنية تصور أوضح لما هو ممكن في الوقت الحاضر ولما هو معذور, وما الذي نستطيع التوصل إليه أثناء العملية السلمية. نحن لا نتوقع معجزات, ولا نتوقع أن نتمكن من إنجاز كل شيء دفعة واحدة, فالعملية تطول, لكن لا بد من اتخاذ خطوات متتالية كي لا تضيع بعض النتائج التي أحرزناها خلال اجتماع أنابوليس واللقاءات الأخرى, مهما كانت متواضعة. * ما هو تقييمكم للمشاركة السورية في أنابوليس? ** لقد اتخذت القيادة السورية قراراً سليماً وواقعياً بمشاركة وفد سوري في اجتماع أنابوليس. وهذا القرار دليل على النوايا السورية في تحقيق السلام في الشرق الأوسط على أسس عادلة, ودليل على جدية سورية في هذا الاتجاه. بكل تأكيد إن مشاركة سورية في مؤتمر أنابوليس ستأتي بنتائج إيجابية بالنسبة لسورية وبالنسبة للشرق الأوسط ككل. |
|