تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الاستقطاب وسقوط السياسات الغربية

متابعات سياسية
الأحد 15-11-2015
بقلم الدكتور فايز عز الدين

معادلات كثيرة قُدِّمَتْ في مجال تضليل الشعب حول مسألة الإصلاح السياسي والاجتماعي والحقوقي للنظام العربي وخاصة في النظم الجمهورية منه. وقد أعاد هذا الحال الذاكرة الدولية إلى قصة المتغيرات الدولية كيف بدأت،

وكيف صار التركيز على أن الديمقراطية وحقوق الإنسان لها نموذج في النظام الإمبريالي العالمي، وأن النظام الشيوعي الاشتراكي العالمي هو الذي يشهد أزمة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن الواجب أن تهبَّ عليه رياح التغيير. ولقد زاد متآمرو الغرب في عهرهم حين أعلنوا أن الاستقطاب الدولي قد أوصل العالم إلى التحالفات المتقابلة، والمتصادمة في الاقتصاد والجيوش، والسياسة، وقد فهم العالم آنذاك أن خطوة ستكون مقابل خطوة؛ أي يتم إلغاء تحالفٍ من هذا المعسكر ليلغى ما يقابله في المعسكر الآخر.‏

وحين سارت الأمور في عملية التنفيذ قام الاتحاد السوفياتي آنذاك أي من 1985-1991 بإلغاء مجلس التعاضد الاقتصادي / الكوميكون /، ومن ثم إلغاء حلف وارسو العسكري بين دول المنظومة الاشتراكية، وخرج أيضاً بجيوشه من ألمانيا الشرقية، ودول أوروبا الشرقية عموماً، ولكن أميركا، والغرب الأوروبي لم يقم بأي خطوة مماثلة، بل سخّر الإعلام الدولي الذي يسيطر عليه حتى يُظهر مظالم الحياة اللا إنسانية في المنظومة الاشتراكية العالمية، ووجوب تفكيكها. وانتهت التغيرات الدراماتيكية على صعيد العالم بتغيّر الخارطة الجيوبوليتيكية للنظام الدولي ليدخل العالم إلى نظامٍ تمّ فيه إلغاء ما نتجَ عن معاهدة يالطه والتنازل عن نتائج الحرب العالمية الثانية لصالح معسكر الاستعمار الدولي، فخرج النظام الاشتراكي الذي كان يمثل الحليف المهم للشعوب التي تكافح من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، وانفردت أميركا قطباً وحيداً مهيمناً تثير النزاعات، والحروب على الجغرافيا العالمية، وتستثمر خلل التوازن الدولي في مصلحة إسرائيل والصهيونية أولاً ليصبح الخطاب الحربي وسياسة التدخل الخارجي في شؤون الأمم هما ما يميّز اللحظة العالمية في العصر الأمروصهيوني. وظلَّ هذا الحال حاكماً في العلاقات الدولية حتى أظهر الغرب الإمبريالي قصة الربيع العربي التي سخّر لها الإعلام،والميديا الخاصة به ليتضح أن الاستبداد وفقدان الديمقراطية وحقوق المواطن عند العرب هو فقط موجود في النظام الجمهوري العربي، أما الممالك والمشيخات فهي النموذج الذي يجب أن يُقتدى عربياً، والقوة المرشحة التي ستتولى تحقيق هذه النقلة إلى الديمقراطية هي الاخوان المسلمون. والغريب بالحال أن الإخوان تقرّر لهم أن يقودوا النظام الجديد من ليبيا إلى تونس فمصر فاليمن فالعراق فسورية. وكأنهم القوة الوحيدة المؤهلة، ولا يوجد غيرُها بأي قطر من الأقطار الجمهورية المعنية. وهنا سقطت مباشرة مقولة الحراك الشعبي الداخلي، وإرادة الشعب في تغيير نظامه الاستبدادي، وأن القضية التغييرية ليست مصنوعة في الخارج الاستعماري، وأن التدخل الخارجي قضية غير موجودة، وعلى كل رئيس دولة من الدول الجمهورية التي حَلَّ بها الربيع أن يرحل لأنه قد فقدَ شرعيته، وإن لم يرحل فسوف يُعرّضُ بلده إلى تدويل قضيتها، وما ينعكس عن هذا التدويل من تدخل خارجي، والاضطرار لإدارة بلده من الخارج. وكان بوهم المغفلين في أوروبا وأميركا والأعراب الأدوات أن مثل هذا الدَّجل سينطلي على شعب سورية فيجعله يُسارع في التفريط بالبناء السياسي، والحضاري لبلده فيقدّمها للأجراء الذين تم تعهيدهم مهمة خراب بلدهم طالما أنهم أصلاً لا يسكنون فيها، ولهم جنسيات أجنبية. نعم إن الوعي التاريخي للسوريين قد كشف عن الكذبة من أصولها ليعيد قراءة المشهد بعقل الوطنيين، وحكمة المخلصين وليدقّ جرس الإنذار للعرب الآخرين معلناً أن حراك الشعب يقوم به الشعب فما علاقة السفير الأميركي لكي يخرج من مكتبه منتهكاً كافة الأعراف والقواعد الديبلوماسية ليحرّض الناس على التظاهر، ثم لينتقل من مدينة إلى مدينة؟! ثم إذا كانت أميركا حريصة على العرب وعاطفتها عليهم من أجل تخليصهم من الاستبداد، لماذا لم تعمل على تخليص الشعب العربي في فلسطين المحتلة، وفي الجولان من الاحتلال الإسرائيلي، وهل يمكن أن يكون الاحتلال ديمقراطية وحقوق إنسان ؟!.‏

لقد فضح صمود المثلث السوري / الشعب, والدولة، والجيش/ كذبة الربيع، وأسقط التحايل الدولي على العرب بأن قصة الربيع آتية بالأساس من الاعتداء علينا تحت منهج استخدام القوة لتغيير النظم من الخارج وهو منهج أمروصهيوني، وتحت منهج تفكيك الدول القائمة في الشرق الأوسط، وتفتيت مجتمعاتها تحت راية الأسلمة, والمتأسلمين لكي تكون النظم المرشحة للظهور أميريّة ومتعدّدة بصورة تتوافق مع تعدد التنظيمات الإرهابية، وهذا يعني قد نرى في العراق وسورية ولبنان على سبيل المثال أكثر من أي مقاطعة أميريّة جُهِّزتْ إمبريالياً لتكون في خدمة الصهيونية وكيانها إسرائيل.‏

إن الحرب تحت مسمّى الربيع قد أنتجت للوعي العربي بعد قرابة السنوات الخمس وعياً بمايلي: 1) الحراك الداخلي ليس داخلياً. 2) إيمان الغرب الصهيوني بحق لنا في الحرية ليس صحيحاً. 3) القوة التي عوّموها لتحكم العرب مرتبطة بهم. 4) تدويل القضية السورية نتيجة التعنّت من الحكومة أكذوبة. 5) التخطيط من أجل مستقبل لكل السوريين لا يبدأ من ضخّ الإرهاب إلى بلدهم. 6) الحرص على إنهاء الاستبداد المزعوم في سورية لا يكون بتدمير الدولة والمجتمع والحضارة والتاريخ والحصار الاقتصادي لتدمير المستوى المعيشي للشعب . 7) الخوف على مصير سورية والسوريين لا يترجم بهذا الاستقطاب الإقليمي والأعرابي حتى تستحيل عملية الحرب على الإرهاب، وتوزيع القوى ضده بشكل صحيح. 8) المؤمن بالحل السياسي في سورية سيوقف الدعم الراهن للإرهاب، ويلتزم بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ولا سيما مقررات جنيف1 وفيينا.‏

وأخيراً إن الوعي السوري يدرك جيداً أن تجاوز إرادة السوريين في أن يكون الحلُّ سورياً وحسب هو المؤامرة المكشوفة عليهم، والعمل على تغييب العقل المشترك كما يقول ديمستورا هو الذي تريده أميركا وإسرائيل ومن يأتمر بأوامرهم، وستبقى سورية بقوة ما تملكه في شعبها وجيشها وحلفائها المخلصين معادلة القوة الوحيدة والحل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية