تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بين دفتي كتاب وعلى الخشبة..النـص المســــرحي ســـيناريو للعـــــرض أم إبـــــداع أدبــــي..؟

ثقافة
الأحد 15-11-2015
 علي الراعي

ما آل إليه المسرح العربي منذ بداية ثمانينات القرن العشرين، وحتى الآن من تراجع على صعيد كتابة وإبداع النص المسرحي الأدبي،

ومعالجة موضوعات ومضامين ذات أهمية اجتماعية - تاريخية لصالح نصوص يُشاع عنها أنها نصوص عروض وحسب، هي أشبه بالسيناريوهات منها بالأدب المسرحي الدرامي، وعلى ما يرى المسرحي السوري محمد بري العواني: أنها أضاعت فرصتين: فرصة احتفاظها بنص أدبي مسرحي، كـ «أوديب ملكاً» على سبيل المثال، وفرصة عرض مسرحي يُخلد في الذاكرة الجمعية - الاجتماعية بعيداً عن إدهاشات البصريات والسمعيات، بما يخدم اللحظة الحاضرة فقط..!‏‏

أسئلة مُبادرة‏‏

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل فعلاً ثمة تراجع في كتابة النصوص المسرحية، وسؤال آخر يُبادر للذهن أيضاً: هل ثمة نصوص تُكتب لتُعرض فقط، ونصوص مسرحية أخرى؛ للقراءة ضمن كتب وحسب، وهنا أيضاً سؤال آخر سيُبادر للذهن؛ وهو: هل عرض النص المسرحي، أي قراءته إخراجاً مسرحياً، يُخفف من «أدبية» النص المسرحي، أمّا السؤال الأخير الذي سيُبادر بدوره للذهن هو: هل يعوّل على نص مسرحي لا يُقدم على الخشبة ؟؟‏‏

فيما يلي؛ ثمة إجابات بادرت إلى ذهن مسرحيين سوريين، الأول هو: المخرج المسرحي، فرحان الخليل، وهو مخرج صرف يشهد على ذلك عروضه على مختلف خشبات المسرح في سورية، ولاسيما مسارح اللاذقية، والثاني سامر إسماعيل «شغيّل مسرحي» نقداً، وكتابة، وإخراجاً.‏‏

الكائن الجنيني‏‏

يُجيب فرحان الخليل: إن النص المسرحي له معاييره المختلفة بنيوياً عن بقية الأجناس الأدبية الأخرى ومعياره الرئيس، أن النص المسرحي هو جنين لا يكتمل وجوده إلا على الخشبة، أي أنه نص أدبي حاضنته الكتاب وفضاؤه الوجودي الخشبة المسرحية. فمثلاً نصوص سعد الله ونوس الأخيرة بالذات؛ هي نصوص خالدة بلا شك، ورغم خلودها ضمن دفتي الكتاب تبقى غير مكتملة، وحتى مسرحية «أوديب» التي ذكرتها تبقى كامنة طالما لم تجد فضاء مسرحياً لها. وليس هناك ما يُسمى نصوص للعرض أيضاً، هناك قراءة إخراجية لنص مسرحي أدبي ما، فالقراءة الإخراجية تخص المخرج كرؤية فردية، ولكل مخرج قراءة مختلفة للنص الواحد، والنص المسرحي يبقى كبعد أدبي يخص البنى الجمعية التي تهتم أو لا تهتم بما يطرح النص من رؤى أو موضوعات تخص البنى المجتمعية.‏‏

ويُضيف فرحان الخليل: إنّ أي قراءة إخراجية لأي نص مسرحي يكون معيارها القارئ بالذات أي المخرج، فإذا كان المخرج حصيفاً ارتقى بالنص الأدبي وسما به، وإذا كان المخرج متواضع الثقافة والمعرفة الفنية صار النص في الحضيض حتى ولو كان نص «ماكبث الشكسبيري» ذاته.‏‏

جميع النصوص‏‏

أمّا عن معضلة النص المسرحي، فيردف الخليل: نعم هناك نصوص مسرحية لا تمت للأدب المسرحي بأي صلة تقدم تحت تسميات مختلفة، لكن بالحقيقة ليست نصوصاً مسرحية، هي تهويمات وشطحات تصل حد الرخص أحياناً، خاصة حين يكون المخرج كاتباً، وهو بالحقيقة لا يملك أي مقوّم للإخراج أو الكتابة، وهما نتاج حالة ثقافية بلا شك، وفعلاً هناك تراجع في كتابة النص المسرحي، وهذا التراجع لايخص المسرح بالذات؛ بل يخص الثقافة عموماً، ويشمل الشعر والرواية والقصة القصيرة وحتى المقالة السياسية، وهذا التراجع نتيجة وليس مقدمة، فهو نتيجة لتهميش الثقافة في البلدان العربية جميعها وبلا استثناء.‏‏

فهذا التهميش المقصود للأسف قد أثّر في المسرح كثيراً على صعيدي النص والعرض معاً، لأنّ النص كما ذكرت وجد ليُعرض على الخشبة، فإذا لم نجد خشبة للعرض لا يمكن أن نجد نصاً مسرحياً، فليس هناك ما يُسمى نص غير قابل للعرض، جميع النصوص المسرحية التي تحمل مقومات النص المسرحي، تقدم على الخشبة، ومن يقول إن هناك نصوصاً لا يمكن تقديمها، فهو يقدم عجزه الفني والمعرفي معاً.‏‏

الجهد الدراماتورجي‏‏

من جهته فإنّ الكاتب المسرحي سامر إسماعيل، يرى أنّ النصوص الأدبية المسرحية -إن صح التعبير- ظلت رهينة هذا الفهم، دون أن تُفرّق بين اللغة الأدبية والكلام المسرحي، وهذا الأخير هو القادر على إنتاج الحركة والأفعال على الخشبة؛ وجعلنا ننتقل من حالة النص الأدبي الأخرس إلى حالة العرض.‏‏

ويردف إسماعيل: لا يشمل كلامي تلك النصوص التي كتبها مسرحيون كبار طبعاً، لكن هذه النصوص؛ أو قل معظمها يحتاج اليوم إلى جهد دراماتورجي كبير؛ كي يتم نقلها من حالتها المتفاصحة إلى حالتها الكلامية الحركية، ومن ثم العمل على فن الإنشاء الدرامي (الدراماتورجيا) لوضع سياقات سياسية واجتماعية وثقافية راهنة لهذه النصوص، كي تصير متضمنة لهواجس الجمهور ومخاوفه وهمومه، فالجمهور هو كائن تاريخي وجغرافي ولا يمكن أن تقدم لجمهور دمشق الحرب 2015- على سبيل المثال- نصاً من عصر النهضة الأوروبية؛ وتتوقع أنه سوف يتفاعل معك، أو يعود مرةً أخرى للوقوف أمام شباك التذاكر الخاص بمسرحك.‏‏

ويختم إسماعيل: أعود وأكرر هذا لا يعني أن كلامي يشطب هذا النص أو ذاك، أو يعدم هذه التجربة في الكتابة أو تلك، لكن كما أسلفت أي نص مهما كانت أدبيته على الورق عالية ومهمة يحتاج إلى إعداد خلاق، ينقل زمن ومكان النص الأصليين إلى مكان وزمان الفرجة الراهنة، آخذاً بعين الاعتبار خصائص واهتمامات الجمهور الذي يتوجه إليه، وإلا سنعود إلى معنى كلمة المسرح في المعاجم العربية: «المسرح هو المكان الذي تُسرّح فيه alraee67@gmail.com‏">الدواب».‏‏

alraee67@gmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية