|
دراسات
في مؤشر واضح على بدء لحظة الحسم بعيداً عن تعقيدات السياسة ومساحاتها وهوامشها الواسعة التي كانت وما تزال أنقرة تجد فيها مرتعاً خصباً لاجترار سياسات الخداع والمناورة والعبث الممنهج. الحديث عن التطورات والإنجازات الميدانية السورية الأخيرة في الشمال خلال الأيام القليلة الماضية، ولاسيما في إدلب ومحيطها من شأنه أن يلقي الضوء على وصول المشهد إلى عتبات مرحلة جديدة لكن بعناوين قديمة إلا أنها كبيرة وراسخة ومتجذرة، وهي العناوين التي وضعها وثبتها الجيش العربي السوري طوال المرحلة الماضية، إلى درجة استحالة تغييرها أو حتى العبث فيها برغم محاولات أطراف الإرهاب المتكررة القيام بهذا الأمر، ولعل العدوان الإسرائيلي بالأمس يندرج ضمن هذا الإطار وهذا السياق، سياق ضرب حوامل المشهد بهدف دعم الإرهابيين وإنقاذهم من قبضة الجيش العربي السوري. في العمق يمكن الجزم بأن معركة إدلب التي يتوقع أن تشتد رحاها خلال القادم من الأيام قد أسقطت كل الرهانات والأوهام والأقنعة، ولاسيما تلك التي كانت متعلقة بالرهان على الإرهاب لتحصيل وحصد أكبر قدر من الأثمان والمكاسب السياسية، وهذا الأمر ما يزال أردوغان يجسده على أرض الواقع، وخاصة أنه كان يعتقد أن تجميع الإرهابيين في مدينة إدلب على الحدود مع بلاده سوف يشكل له فرصة تاريخية لفرض آجنداته وسياساته الاحتلالية والإخوانية، لجهة أوهامه وأحلامه بالسيطرة على الشريط الحدودي مع سورية، إضافة إلى أنه كان يتوهم أن يكون له موطئ قدم في الجغرافيا السورية لكي يستكمل مشاريع احتلاله وصفقات ابتزازه. أردوغان كان يعتقد بانفصامه عن الواقع أنه سوف يحاصر دمشق في إدلب، إلا أن العكس هو الذي حصل، حيث حاصرت الدولة السورية النظام التركي وأدواته وإرهابييه في مدينة إدلب، أردوغان كان يعتقد أيضاً أنه قادر على الاحتفاظ بورقة الإرهاب إلى ما لانهاية من أجل ممارسة سياسات الضغط والابتزاز والاستثمار في كل مخططات العثمانية والإخوانية. النظام التركي اتخذ من ورقة الإرهاب في إدلب، ليس قاعدة لمواجهة الجيش العربي السوري ومؤسسات الدولة فحسب، بل اتخذ من الإرهاب ذريعة ومبررا لممارسة أقصى درجات الابتزاز والاستغلال، ليس مع الدولة السورية وحلفائها فحسب، بل مع حلفائه وشركائه في الحرب على سورية، ولاسيما فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقاته والتزاماته التي أبرمها مع موسكو في آستنة وسوتشي رغم المحاولات الروسية المتكررة لدفعه عنوة الى الولوج في طريق الحل السياسي، إلا أنه ورغم كل ذلك كان يتهرب ويلجأ إلى سياسات المناورة والخداع، وخاصة فيما يتعلق بملف فصل التنظيمات الإرهابية عن تلك التي يسميها أردوغان (المعتدلة)، والتي ما تزال تشكل أداته ورأس حربته في تنفيذ مخططاته الاحتلالية ودعم إرهابيي جبهة النصرة، ومن باب التذكير فقط فإن إرهابيي أردوغان (المعتدلين) كانوا رأس حربته في العدوان على الأراضي السورية في عفرين ورأس العين ومعظم المدن والقرى والبلدات على الحدود السورية والتركية. كذلك فإن التنظيمات الإرهابية الموجودة في إدلب لطالما كانت ورقة رابحة في يد أردوغان من أجل ابتزاز حلفائه، ولاسيما الولايات المتحدة التي راحت هي الأخرى تمارس ابتزازها عبر دعم مرتزقتها وأدواتها في الشمال السوري الذين يعتبرهم أردوغان خطراً على أمن بلاده القومي، وهذا الأمر هو الذي كان يدفعه في كل مرة إلى رمي إرهابييه(المعتدلين) المزعومين في المحرقة ليكونوا وقوداً لحروبه بالوكالة لمواجهة مرتزقة وإرهابيي واشنطن. أردوغان كان يستخدم إرهابييه(المعتدلين) و(غير المعتدلين) للدفاع عن طموحاته ومشاريعه الاحتلالية والإخوانية، وهنا يكمن السر وراء استشراسه في دعمهم جميعاً في إدلب ومحيطها لأنهم في نهاية المطاف ليسوا إلا دروعاً لطموحاته ومشاريعه ومخططاته، وعندما كان يفشل في ذلك كان يلجاً على الفور لاستدعاء الإسرائيلي لمساعدته في دعم وإنقاذ الإرهابيين كما فعل بالأمس. النظام التركي وبعد انهيار أحلامه وأوهامه في سورية حاول كذلك استغلال ورقة الإرهاب بشكل استنزافي مفتوح على كل الجهات، عندما قرر التمدد خارج الجغرافيا السورية، بعد احتراق وسقوط ورقة الإخوان في سورية وافتضاح أمره ودوره كونه كان رأس حربة للتنظيم الإرهابي في المنطقة والعالم، فكانت ورقة الإخوان مصدر إلهام لاردوغان لابتزاز أقرب حلفائه وشركائه في الحرب على سورية - أنظمة الخليج -، فكان الصراع بين الوهابية والإخوانية يجسد فصلاً جديداً للحروب بالوكالة التي يستخدم فيها النظام التركي إرهابييه في سورية للتمدد خارج الحدود نحو ليبيا. |
|