تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القمة الإفريقية-الفرنسية ومدلولاتها

شؤون سياسية
الأربعاء 9-6-2010م
د. محمد البطل*

عوامل كثيرة فرنسية وإفريقية ودولية ميزت القمة الفرنسية-الإفريقية التي عقدت قبل أيام (نهاية شهر أيار) في مدينة نيس الفرنسية عن سابقاتها، إلا أنها وبالمقابل أظهرت بمجموعها مجدداً الاهتمام الدولي المتزايد بدوله وتكتلاته وروابطه بالقارة السمراء.

هذا في الوقت الذي يزداد فيه إصرار الأفارقة قارة ودولاً على «توازن» العلاقات الدولية-الإفريقية وعلى نيل إفريقيا حقها على الصعيد الدولي وفي إطار شبكة العلاقات الدولية القائمة والمستقبلية.‏

هي القمة الخامسة والعشرون التي تجمع الرئيس الفرنسي والقيادة الفرنسية مع زعماء القارة الإفريقية التي حضرها 51 زعيماً من القارة الإفريقية، ويعكس انعقادها اهتمام باريس بالقارة في ظل مؤشرات فرنسية «سلبية» راهنة حول ماهية العلاقة الفرنسية-الإفريقية التي تتزامن مع تصاعد الاهتمام-المنافسة الدولية بالقارة وطبيعة العلاقات معها.‏

فقد تراجعت الأهمية الاقتصادية فرنسياً بالقارة السمراء وانخفضت معها من 40 بالمئة في الستينيات إلى 2 بالمئة حالياً، هذا في الوقت الذي تقلص فيه حجم الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا من 30 ألفاً إلى 8 آلاف جندي في عمليات محددة باستثناء القاعدة الفرنسية العسكرية الرئيسية في جيبوتي.‏

هذا في الوقت الذي يزداد فيه الاهتمام الدولي بالقارة الإفريقية، وتتنافس الدول الكبرى والتكتلات والروابط السياسات الاقتصادية بإفريقيا قارة ودولاً.‏

فقد عقدت أوروبا قبل سنوات قليلة القمة الأوروبية-الإفريقية كذلك القمة الإفريقية-الأمريكية اللاتينية، فضلاً عن القمم الصينية-الإفريقية (خصصت الصين في قمتها الأخيرة مع القارة 50 مليار دولار قروضاً ومساعدات ميسرة وزار رئيسها في الأعوام الثلاثة الماضية 18 دولة إفريقية وبلغ حجم التبادل البضائعي الصيني-الإفريقي 100 مليار دولار سنوياً، وخاصة في مجالات المعادن والمواد الطبيعية والطاقة والبنى التحتية) وعاودت روسيا بعد تعافيها اقتصادياً وتغير قيادتها السياسية علاقاتها مع أصدقائها الأفارقة القدامى.‏

مستندة في ذلك إلى سجل تاريخ هذه العلاقات التي كان عنوانها الأبرز دعم حركات التحرر والاستقلال ومساعدتها في نيل استقلالها وبناء علاقاتها المستقلة.‏

ولا نغفل هنا دخول أمريكا على خط التنافس الدولي القائم وارتكازها إلى بعض الأنظمة التي دعمتها أمريكا سابقاً وإلى دخولها على خط الصراعات الإفريقية-الإفريقية واهتمامها بقدرات إفريقيا وخاصة مصادر الطاقة (نفط وغاز..الخ).‏

وتتميز فرنسا عن غيرها من الدول الأخرى المهتمة بمقدرات إفريقيا بأنها امتلكت ماضياً استعمارياً تعمل على تدارك تبعاته السلبية من جهة، وبأن الكثير من الدول الإفريقية تنخرط في إطار مجموعة الدول الفرانكوفونية (الناطقة بالفرنسية) من جهة أخرى.‏

إذ تضمنت القمة وبرنامجها بنوداً ثلاثة مهمة هي: مسألة التمثيل الإفريقي في مجموعة العشرين الدولية ومكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز التعاون الاقتصادي، كذلك حصول إفريقيا على مقعد أو أكثر مع حق النقض في مجلس الأمن الدولي.‏

ورغم أن برنامج القمة الـ 25 قد أغفل مسألة حقوق الإنسان التي تنادي بها فرنسا «بلد الديمقراطية الأوروبية» فإن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ضمن خطابه العديد من القضايا الخاصة بكيفية تطوير العلاقات الفرنسية-الإفريقية الاقتصادية-السياسية وتجاوز سلبيات الماضي التي ورثها عن أسلافه.‏

كما أعلن أمام القادة الأفارقة الـ 51 أن بلاده خصصت 300 مليون يورو لتدريب 12 ألف جندي أفريقي في قوات حفظ السلام في إفريقيا وتقديم الدعم البحري العسكري لإفريقيا الشرقية التي تعاني من عمليات القرصنة ودول الساحل الصحراوي لمكافحة الاتجار بالمخدرات.‏

وعبّر عن ضرورة معالجة التمثيل الإفريقي في المؤسسات الدولية وبضمها مجلس الأمن الدولي ومجموعة العشرين، مشيراً إلى أن 25 بالمئة من أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة هم أفارقة.‏

محاولة ساركوزي تجاوز سلبيات الماضي الفرنسية-الإفريقية تزداد أهميتها في ظل تراجع الدور الفرنسي في القارة من جهة وفي ظل ازدياد الاهتمام-التنافس الدولي تجاه القارة الإفريقية من جهة ثانية، وتؤشر أيضاً إلى المكانة المتصاعدة للقارة السمراء في الخريطة الدولية وفي شبكة العلاقات الدولية القائمة والمستقبلية.‏

هذا في الوقت الذي تظل فيه إشكاليات القارة الموروثة عن فترة الاستعمار وخاصة الأوروبي وصعوباتها الراهنة من المجاعة إلى الفقر، مروراً بضعف البنى التحتية الاقتصادية في غالبية دولها وكيفية الاستثمار العادل والمتوازن لإمكانات إفريقيا الهائلة وخاصة الطاقة هي المسائل الأساسية في التعطي الدولي مع إفريقيا قارة ودولاً.‏

 باحث في الشؤون الدولية‏

batal-m@scs-net,ovg

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية