|
شؤون سياسية بسبب كشف البرنامج النووي الاسرائيلي لصحيفة صنداي تايمز عام 1986، وذلك بالتزامن مع الوثيقة التي كشفت عنها صحيفة الغارديان حول عرض اسرائيل بيع نظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا رؤوساً نووية، الأمر الذي يشكل دليلاً آخر على امتلاك اسرائيل للسلاح النووي. إن ما كشفته الغارديان ليس إلا حلقة متقدمة في فضح سياسة الغموض النووي التي تنتهجها اسرائيل ومحاولات إبقاء سلاحها النووي سرياً حتى تبقى بعيدة عن المراقبة والمساءلة والرضوخ لشروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغير خاضعة لاتفاقيات نزع أسلحة الدمار الشامل. ويشكل نكران رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريس لوثيقة الغارديان وتأكيده أن اسرائيل لم تتفاوض قط حول تبادل أسلحة نووية مع جنوب إفريقيا وعدم وجود أي وثيقة أو توقيع اسرائيلي يثبت اجراء مفاوضات من هذا القبيل استمراراً لسياسة الغموض النووي التي تنتهجها اسرائيل منذ خمسين عاماً، وهذا النفي ليس من الغرابة في شيء، فالسياسة النووية الاسرائيلية السرية كلها كانت من تصميم بيريز نفسه. وكان أولمرت أول رئيس وزراء اسرائيلي يقر بقصد أو بغير قصد بامتلاك اسرائيل للسلاح النووي وذلك إثر هزيمتها في حرب تموز 2006، الأمر الذي اعتبره البعض (هفوة غير مسؤولة) وآخرون (زلة لسان) وصلت إلى حد المطالبة باستقالته على مستوى الداخل الاسرائيلي. غير أن المحللين قرؤوا في تصريحه رسائل إلى الاسرائيليين أن اسرائيل تمتلك ردعاً نووياً قادراً على حمايتهم، وللأوروبيين والأمريكيين أن اسرائيل هي القوة الأقوى وأن مصالحهم معها، وللعرب أن اسرائيل قادرة على ضرب عواصمهم ومدنهم بالسلاح النووي. لقد اختطفت اسرائيل فعنونو أحد مهندسيها العاملين في مركز ديمونة لمجرد أنه كشف عن وجود البرنامج النووي العسكري الاسرائيلي وأظهر للعالم بالصور أن بلاده تخفي سراً نووياً في وقت كان المسؤولون الاسرائيليون يكذبون ويكررون أنهم لا ينوون أبداً حيازة السلاح النووي، وكانوا يملكون في حينه أكثر من مئة قنبلة ذرية ويعملون على صناعة القنابل الهدروجينية ذات المفعول القوي. لكن فعنونو تمكن بعد خروجه من السجن من تسريب معلومات اضافية عن الملف النووي الاسرائيلي رغم الإقامة الجبرية المفروضة عليه ومراقبته المستمرة، مؤكداً أن هناك تعاوناً سرياً بين إسرائيل وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في هذا المجال وأن هذه الدول قررت المساهمة في بناء القوة النووية الاسرائيلية لجعل إسرائيل حربة استعمارية متقدمة في العالم العربي تكون في خدمتها تحت الطلب. وأصبح معروفاً أن الدعم البريطاني والفرنسي لإسرائيل في برنامجها النووي جاء كعربون شكر على ما قدمته لهما هذه الأخيرة في حملتهما العسكرية ضد مصر عام 1956م. كما أن هناك شكاً كبيراً بوجود رابط بين أمر الرئيس الأمريكي جون كنيدي بإجراء تفتيش في مركز (ديمونة) وعملية اغتياله، حيث لم يعارض الرؤساء الأمريكيون من بعده النشاط النووي الاسرائيلي ولم يمارسوا أي ضغوط لإيقافه. ومن المهم الإشارة إلى أن اسرائيل ليس بمقدرتها الحفاظ على سياسة الغموض النووي وحدها لكن الدول الفاعلة والمؤثرة غضت الطرف عن الملف النووي الإسرائيلي لوجود مصلحة مشتركة وتعاون على المستوى الدولي وإن كان غير منسق للإبقاء على هذا الحال، وكذلك منعاً للاحراج أمام الدول العربية الصديقة والحليفة وظهورها بموقف المتهم بالانحياز لإسرائيل وعدم تطبيق القرارات الدولية عليها. وهذا الغموض حقق لإسرائيل مبتغاها في عدم إدخالها في المعادلات الدولية والاتفاقات النووية، فهي مازالت ترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، على الرغم من أن حوالي 180 دولة وقعت على المعاهدة وفتحت منشآتها لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما فيها دول عربية، كما أن اسرائيل مازالت ترفض دخول أحد إلى منشآتها النووية دون أن يتجرأ أحد على انتقادها أو تهديدها بعقوبات، في سلوك فاضح لسياسة الكيل بمكيالين التي يمارسها الغرب والتي بلغت ذروتها ضد ايران. |
|