|
فضائيات
وهذا أفرز الكثير من التساؤلات وخاصة مع ثورة الميديا والعدد الهائل من وسائل الاتصال التي تخصصت به حصرا وخاصة التلفزيون الذي جمع الصورة والصوت وكل ما يكتنفهما مما جعله أرضا خصبة للاستثمار من قبل رأس المال وما فرضه هذا الاستثمار من تحويل الأغنية ببعدها الاجتماعي والفردي القيمي والإبداعي والوجداني إلى الاستهلاكي البحت في كثير من الأحيان. فهل هذا حقا أضرّ بالأغنية أم زادها غنى ؟!. الرأي السائد يقول : نعم أضرها وخاصة أن الأجيال الجديدة لا تستسيغ الفن الراقي وهناك قطيعة فنية ذائقية يعانيها هذا الجيل المرتهن للفضائيات الغنائية بكل ما تبثه . وقبل أن نؤيد أو نرفض لننزل على أرض الواقع ونستمع لهذا الجيل المرتهن للفضائيات الغنائية . تقدم الفضائيات العربية وجبة منوعة من الأغاني وفي هذا مندوحة لها مقابل نتاجاتها الأخرى البائسة وكأننا في عالمنا العربي نمارس التنوع الخلاق فقط على صعيد الأغنية , فالقنوات الخاصة التي تعمل برأس المال تبحث عن مفهوم السلعة في الأغنية وتتدرج حتى المبدع منها في حين تأخذ القنوات الحكومية جانب الاعتدال ولربما المحاباة لما يسمى أغاني الزمن الجميل . تبدو الأغنية اليوم مدار صراع بين عدة جهات كل منها يشد الدلائل نحوه لإثبات صحة ما يقوله في حين يبدو المستهلك الأكبر متغافلاً عن ذلك يمعن في شططه إن صح القول ردا على الوضع العربي المتدهور على جميع الأصعدة . فالشباب الذي تحاصره كل المثبطات الجسدية والفكرية والقلق الهائل من تأمين حياة لائقة يجد هروبه في تلك المحطات التي تغرقه بكل أنواع السلع الجيدة والسيئة ولكنه بنفس الوقت يبدي قدرة هائلة على التأقلم فهو يستمع لشعبولا وأم كلثوم ومارسيل خليفة وعلي الديك , يوائم بين الأضداد وكأنه يقول : الاختلاف والتنوع غني ,فلماذا اللون الواحد. لاريب أن هذه المحطات تشتغل بعقلية السوق, فتقدم سلعتها مزينة بكل وسائل الإبهار حتى الجنسية منها وتعلم أن تسريع ولادة أغنية ومن ثم اختفائها , يجعل المستهلك في حاجة دائمة للجديد و بنفس الوقت تحرك تلك الطاقات الكامنة في عقول الشباب , فتدفعهم لتحقيق أحلامهم والاشتغال عليها وهذه الوضع ليس بدائم لناحية السلبية , فتشكل الطبقة الوسطى الغنائية يحتاج لأجيال كما حدث في بداية القرن العشرين ومنتصفه وعندها سنشهد طفرة ذائقية لدى سامعي الأغنية. الإجابة على السؤال أعلاه لا تكون بالحسم سلبا أو إيجابا بل بالعمل على تطوير الذائقة من خلال تربية الأجيال ومعطيات زمنها , لنرفعه من حالة الإغماء التي تصاحب حفلات تامر حسني إلى « الله ياثومة» التي كانت تصدح بها المسارح. وطبعا الثقافة لم تكن يوما من هموم رأس المال بالمعنى الإبداعي بل من واجبات المجتمع الواعي أي كان تشكله وللحقيقة نجد اليوم الشباب المبهور بتلك الفضائيات هو ذاته من ينقب ويبحث ويبدع لتقديم أغنية عربية جميلة رغم أنه يستمع لكل الوارد إليه ولكن عبر الانتقاء ونجده يروض رأس المال وبدأ يفرض إبداعاته في حين من يتهمونه بالارتهان لتلك القنوات انسحبوا للظل يقفون على الأطلال. القنوات الغنائية العربية رغم ميلها للسلب فيما تقدمه تبقى دليلا واضحا على حركة الأجيال وقدرتها على تثمير واقعها المتحطم ناحية البناء ,فلنترك هذه القنوات التي استطاعت أن تجمع التابوهات مع كاسريها في حالة غنائية مسرحية تطهرية كما قال يوما أرسطو عن المسرح. قديما بنى أبولو طروادة بالعزف على قيثارته , فكانت الحجارة تطرب وتطير وتصطف في أماكنها وأيضا عبر أتباع دنيسيوس بموسيقاهم الماجنة عن أحقية الجسد في أن يكون طرفا في تشكيل ثنائية الروح الجسد ونهاية عزف الفارابي ,فأبكى وأضحك ونوم مستمعيه وهكذا ما تحاول قنواتنا الغنائية العربية فعله وياريت نصل ببقية شؤوننا لما وصلت إليه. |
|