|
كل أربعاء وحراثة أرضها من جديد، والعـودة بقمـحـها إلى بذوره الأولى المعافاة من عـلل العنصـرية والكـراهية ونـزعـات القـتـل العشوائي، وتجريف التاريخ وتقطيع أواصر الجغرافيا، والتمثيل بدستور العدل الإنساني المدون في صدور البشر منذ عشرات القرون! اهـتـزت الصـورة في أربـع رياح الأرض، وتدفق نهـر الأسئلة في شوارع الغـرب القديم والجديد، وفي عـواصـم الشــرق، وبدأت مسلمات الفكر السياسي المغلق في الإعلام الأممي تـســقـط واحـدة بعـد الأخرى، فلم يعد الاحتجاج على مذهب القتل الصهيوني محرماً، ولم يعد انـتـقـاد صـواعـق الحـرب الـتـي يـلمع برقها في فضاء الجنرالات الصهاينة بين فـصل وآخر، محـظـوراً يعاقـب عليه الضميـر الأوروبي المسـكـون منذ النصف الأول للقرن الماضي بـدخـان المحـرقـة القابلة للنفي والإثبات في مناهج التاريخ الحديثة، ولم يعد اسـتـبـسـال النخبة القـريبة العاملة في حقول الدفاع عن حقوق الإنـســان، واقتحامها ســواحل فـلــسـطيـن، عزلاء إلا من الكوفية الفلـسـطينية وسلال الغذاء للأطفال المحاصرين في غزة: وهتافات الحرية المدوية في عـرض البحـر، كل ذلك لم يعد مستهجناً ومنبوذاً في وجدان موجهي الرأي العام العالمي، من الأمريكيتين غرباً إلى سد الصين شرقاً، بل ربما أصبح كل ذلك من مـسـتـلـزمات البرهان على اعتناق شريعة الحرية التي عُطِّل العمل بها في عالمنا لأكثر من ستة قرون! ذلك هو الاسـتـنـتـاج الأول الذي نـسـتـخـلـصـه من تدفق قوافل الإغاثة الإنـسانية على غزة المحاصرة، في العام الفـائـت، والتـطـوع المتنامي لنشطاء الحرية الأوروبـيـيـن للمخاطرة في نقلها إلى الـتـراب الفـلـسطيني في مناخ ملتهب تشعله حكومة بنيامين نتنياهو بإنذارات القتل التي صارت واقعاً دموياً، بعد السـطـو المـسـلح على سفينة مرمرة التركية في الحادي والثلاثين من أيار الماضي، واغتيال المتضامنين على متنها بالرصاص الحي في قلب المياه الدولية، بحمـق القراصنة وطيش قطاع الطرق، وذلك هو الاستنتاج الذي يمكن استنباطه من سيل المظاهرات التي غصت بها شوارع العواصم الدولية بعد مجزرة أسطول الحرية، من أسوار البيت الأبيض في واشنطن مروراً بعواصم أوروبا القديمة إلى جاكرتا، تحت علم فلسطين المتوج بهتاف واحد تصدح به الحناجر: فلسطين حرة، وذلك هو الاستنتاج بالغ الدلالة الذي يمكن أن نخرج به من صحوة القضاء الدولي وفتح أبواب محاكمه أمام الدعاوى التي يتـســابق إلى رفـعها وتفعـيـلـهـا عشـاق الحرية وحراس شــريعة العدل في عالمنا، لاسـتـقـدام إرهـابـيـي الحـرب الصهاينة إلى أقفاص المحاكم الدولية، ووضع رقابهم تحت سيف العقاب! اهـتـزت الصـورة ولم يبق أمـامـهـا إلا أن تنقلب، وهذا دورنا ومسؤوليتنا، لأن تركيبة الاحتلال في فـلـسـطـيـن لا يقصـم ظهـرها هتاف المتظاهـرين ولا نشـطاء الإغـاثـة، ولا حكم المحاكم الدولية، فكلها فعـلـت فعلها في تشـكيل المناخ الملائم لانقلاب الصورة، وقوتنا وحدها هي القادرة على إكمال المهمة، قوة الموقف، وقوة السـلاح، وقـوة الإرادة، تلك الأقاليم التي عـنـدمـا صحـونا عـلـى ضرورتها للدفاع عن الـنـفــس في الحد الأدنى، بدأت صـورة الاحتلال بالاهـتـزاز، وعـنـدما امـتـلـكـنـا بعض مـقـومـاتـها، رَكِـبت في المنطقة معادلة الردع المتبادل، وأصيب الذراع الحربي الصهيوني بالشلل، ولم يبق أمامنا سـوى خطوة كي نعبر إلى تاريخ، ونقفل أبواب تاريخ هو اليوم على وشـك الانـهـيار، لم يبق سوى خطوة كي تسترد الجغرافيا طبيعتها، ويـسـتـرد البشر حقهم المهدور، فتعود الأرض إلى خضرتها، والسماء إلى زرقتها ونجدد أحلامنا البهيجة، فهل نفعل؟؟ |
|