|
تحقيق ثقافي هل هو ميراث حقيقي، أترانا نتحدث عن الملايين والمليارات؟ بل هل كل ميراث يجب أن يكون ذا قيمة مادية ولماذا لا يكون كذلك...؟ أسئلة يطرحها المرء على نفسه وهو يسأل: لماذا الاهتمام بالكتاب والمكتبات هذه الأيام والكل مشغول بالحصاد المادي قبل المعنوي؟! بل إنك ترى مكتبات كانت ملء السمع والبصر قد تحولت إلى مطاعم أو أي شيء آخر والبقية تحسدها وتحاول اللحاق بها. المكتبات الشخصية ما مصيرها؟ وإلى أين تؤول؟ سؤال يؤرق من يهتم بالكتاب قراءة وشراء واقتناء وبالتأكيد المعنيون بالأمر ليسوا قلة على الاطلاق، بل نحن مدينون لهؤلاء الكتاب والمفكرين والمبدعين والسياسيين والأطباء والمهندسين و.. الذين أسسوا لنهضة فكرية متميزة قطفنا ثمارها ولكننا لم نحسن الاستفادة منها أو تطويرها، بل جاء جيل هجين مدجن لا يهمه إلا ما لذ وطاب وسهل الحصول عليه. الجيل الذين أتحدث عنه هو في الواقع عدة أجيال متتالية، هؤلاء أسسوا مكتبات شخصية عامرة وقدموا عطاءات فكرية، ولكن هي سنة الكون الرحيل، وماذا سيبقى بعد الرحيل؟ ثمة من ترك مالاً وأطياناً وثمة من ترك إرثاً ثقافياً ومعرفياً من خلال نتاجه أو مكتبته ولكن هل يقدر هذا الميراث بثمن؟ هل أحسن وارثوه الاستفادة منه؟ المكتبات الشخصية في مهب الريح، هكذا أنجزت تحقيقاً عام 2007م ونشر في الملحق الثقافي بتاريخ 5/6/2007م وكنت قد توقفت فيه عند شخصيات مهمة تملك مكتبات يشار إليها بالبنان، من أمثال: سهيل زكار، فاخر عاقل، عمر الدقاق، كمال فوزي الشرابي، عيسى فتوح، العماد أول مصطفى طلاس، قتيبة الشهابي... وثمة آخرون كثيرون وأثناء إجراء أي حوار مع الشخصيات الثقافية والفكرية كنت حريصاً على طرح السؤال التالي: ما مصير مكتبتك الشخصية بعد عمر مديد؟ البعض بدا أن الأمر محسوم لديه وقد فكر بمآلها ومصيرها وربما أهدى قسماً كبيراً منها أو باعه أو أوصى به والبعض الآخر دهش للسؤال لأنه لم يفكر بالأمر على الاطلاق. من جديد والآن بعد ثلاث سنوات بالتمام والكمال أعود إلى الموضوع نفسه ولكن بعد أن رحل قسم كبير من الذين التقيتهم وسألتهم عن مصير مكتباتهم وبعد أن ازدهرت تجارة الكتاب القديم وازدانت أرصفة دمشق بآلاف العناوين التي كانت مخبأة وإذا بنا نقع على كنز حقيقي، كنز من الكتب التي ربما لم نظن أننا سنعثر عليها ذات يوم ولن تعاد طباعتها ثانية وبالوقت نفسه كتب ذات قيمة أمام ما نراه من هراء تقذف به دور النشر في ظل أزمة القراءة والنشر والعزوف عن القراءة لأسباب لسنا بصدد الحديث عنها الآن. ظاهرة صحية ولا يذهبن الظن بأحد ما أنني أرى هذه الظاهرة أمراً سلبياً، فربما كذلك لكن من وجهة نظر ذاتية وأنانية أرى أنها مفيدة لأننا نقع على عناوين لم نكن نظن أننا سنراها ذات يوم وبالوقت، نفسه تحرك السكون في عالم القراءة نعم تحرك الساكن لأن عرض هذه المكتبات وعلى الرصيف يشد المارة (القارئ وغير القارئ) المثقف وغير المثقف ويجعل الكتاب أمام ناظريه والكثيرون يعيدون شراء كتب قديمة كانوا قد اقتنوها حين كانوا شباباً وهذا القديم الذي نراه يملأ الأرصفة الممتدة من الحلبوني إلى جسر السيد الرئيس دائماً يجدد ويرفد بالمزيد ويقدم إلى القارئ والمتابع بالسعر المناسب. على هذه الأرصفة سوف يتاح لك أن تعرف مصير مكتبات شخصيات مهمة (شعراء، مفكرون، علماء...) ستعرف من أهدى إليهم كتبه ومن باع هذه المكتبات، ستقع عيناك على عناوين شكلت محطات هامة في الحراك الثقافي والفكري، ستعلم أن مكتبات قتيبة الشهابي وخيري شمسي باشا وأنور العظمة وخليل فريجات وراتب كحالة وعفيفة حصني وملاحة خاني وآخرين كثيرين قد بيعت ودارت دورة جديدة قادتها إلى أيدي قراء جدد وهذا أمر يحسب لمصلحة من أفرج عن هذه المكتبات، وبالوقت نفسه ستجد كتباً مهداة لشعراء وإعلاميين وصلت إلى الرصيف بيوم إهدائها وقبل أن يجف حبر توقيعها وربما كان معذوراً من قذف بها إلى هنا لأنها خارج السياق والتاريخ، وبعضها الآخر على غاية من الأهمية وعلى كل حال، فالقارئ هو الرابح الحقيقي ولاسيما في اقتناء الكتب القديمة وإن كنت (كاتب هذه السطور) الخاسر الأول لأن كثيرين من الذين يبيعون مكتباتهم أو مكتبات ورثوها بدؤوا بنزع صفحة الإهداء، والإهداء الذي يمر ندفع ثمنه أكثر مما يستحق. وعلى كل حال بقي أن نشير إلى أن كثيراً من الكتب القيمة من المكتبات المباعة لا يصل إلى الرصيف بل له مصير آخر ربما خارج القطر وبالوقت نفسه بدأنا نرى مكتبات شخصية من خارج القطر تباع على أرصفتنا. والآن وبعد ثلاث سنوات من التحقيق الأول وسؤال شخصيات سابقة عن مصير مكتباتها نعود إلى طرح السؤال من جديد على بعض ممن يعنيهم الأمر وما أكثرهم ولكن لابد من الاختيار. *** د. جورج جبور: ربما تباع أو تهدى أقرأ بحرص كل الصفحات الثقافية اليومية التي تظهر في صحفنا الأربع لأنني أرى فيها تجسيداً للنبض العام، رغم أنها قد لاتكون سوى تجسيد لنبض المحرر، إلا أن صفحة الثورة الثقافية أخذت تشكل هماً يومياً لي منذ أن اكتشفت فيها زاوية على الرصيف، المفصحة عن مآل الكتب المهداة، فمنذ أن تم اكتشافي تلك الزاوية أخذت اقرأ تلك الجريدة بدءاً من صفحة الثقافة، فأشعر بالارتياح إذ أتيقن أن أياً من كتبي المهداة لم يتحول إلى لقيط تخلى عنه والداه: المؤلف وصديقه الذي أهدي إليه الكتاب... فتخلى عنه خارج ساعات التخلي. كيف جمعت مكتبتي؟ منذ الصغر كنت أحب الاحتفاظ بآثار الصف المدرسي الذي اجتزته، ولاتزال لدي دفاتر مدرسية يعود عمر بعضها إلى ستين عاماً وأنا الآن في عامي الحادي والسبعين وبضعة أشهر ثم ، لاريب، استمرت عادة التجميع، وعلى مدى عقود اشتريت كثيراً من الكتب، وأهديت الكثير، وألاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً في الكتب المشتراة، وتقدماً في الكتب المهداة وماأشتريه يدخل في نطاق اهتمامي العام إلى جانب اختصاصي الضيق في العلوم السياسية، أما مايصلني كهدية فقد لايكون كله منسجماً مع «مزاجي» وأحاول أن أعيد إهداء الكتب المهداة غير المنسجمة مع مزاجي، إلى أصدقاء ومعارف يهمهم أمرها. المحتوى ثم إن من دواعي الاعتزاز أنني أشعر ولا أدري يقيناً أن في مكتبتي كتباً لا مثيل لها في مكتبات سورية، العامة أوالخاصة، ولن أعدد لكي لايحسب أحد أنني أقوم بعملية ترويج، والترويج مشروع في كل حال، إلا أنه لابأس من التصريح بأنني أبحث عن مترجم، وناشر لكتاب ضخم بالانكليزية، أقتنيه مصوراً منذ عام 2001 هدية من هيئة غير حكومية جنوب إفريقيا تسلمتها لدى مساهمتي في مؤتمر دربان لمناهضة العنصرية، شغلت الهيئة أشهراً في البحث عنه بناء على طلبي له منها عنوانه التقريبي (أي كما في الذاكرة) تاريخ جنوب إفريقيا حتى عام 1977 كما كتب عام 1999. مصيرها منذ بدأت أتابع زاوية على الرصيف أخذت أضع في خزانة خاصة الكتب التي تحمل إهداء لي، ثم إني صرحت في جريدة الثورة بالذات، وفي مقال عنوانه: الكتب المهداة مكانها ليس على الرصيف بل في متحف خاص، 27/4/2008 بأنني أوصيت من بعدي من أهلي بأنهم إن قرروا بيع المكتبة كلها، وهذا حقهم، فإنني أحب منهم أن يطمسوا كلمات الإهداء أو يمزقوها. هل سأوصي بكتبي إلى مكتبة عامة؟ هذا ممكن وقد أهديت مكتبة الأسد قبل سنوات مجلات أكاديمية أجنبية، هي في نظري قيمة جداً، وأصرح بعناوينها إن شئتم، فلم أحصل على رسالة شكر ولاحتى على إيصال وأخشى أخشى أخشى، أن أنظر في قيود المكتبة فلا أجد لها أثراً، وليس في هذا الأمر نيل من إدارة المكتبة، لكل مكتبة الحق في أن تنظر في ماتهدى، وأن تقرر ما إذا كان ينبغي حفظه أو يمكن أن يستغنى عنه، في كل حال، لايزال المرجح لدي احتمال إهداء كتبي إلى مكتبة سورية عامة. *** حسن حميد: أتمنى ألا أراها على قارعة الطريق بدءاً أود القول إن مكتبتي جمعتها بأيد عرفها قلبي، وبصبر عرفته روحي، وبحب عرفته ذائقتي.. لذلك فإن كل كتاب فيها عزيز علي مثل أبنائي وأصدقائي.. وأود قول شيء آخر.. هو أن مكتبتي هي مدرستي التي تعلمت فيها ولا أزال، وكتبي هي معلمي الأكثر صبراً عليّ.. من ثم، فإن مآل هذه الكتب لا أدريه على وجه الدقة والتحديد، إنه مآل يعود إلى زوجتي وأولادي، فهم يعدون الكتب نباتات الدار، وحرزه، وجوهرته، وعلاماته الأميز.. ما أعتقده هو أن هذه المكتبة ستكون الشاعر الذي يتحدث عن تعبي الجميل الذي أبديته طوال سنوات عزيزات عليّ.. كي أجمع بعضها إلى بعضها الآخر، وكي أصير من أهل الكتب.. وكتبي.. هي حافظة أسراري، وأنفاسي، وحيرتي، وتأملاتي وهي عشيقتي.. التي لا أتمنى أن أراها على قارعة الطريق أيها الصديق العزيز ديب علي حسن.. وقد لبست ثوب المذلة والإهانة.. ثوب الغبار، وثوب السؤال المر. *** نصر الدين البحرة: رهن أبنائي لابد من أن أقر بادئ ذي بدء، بأن نواة مكتبتي كانت مكتبة والدي محمد سعيد (1892 - 1941) خريج مكتب عنبر بدمشق و«دار الفنون» في استانبول و«السوربون» في باريس، حيث أوفده العلامة ساطع الحصري، وزير المعارف سنة 1919 للدراسة العليا ونيل درجة الدكتوراه في الفلسفة، في تلك الجامعة الفرنسية، وكان معه أربعة موفدين آخرين - كانت لدي صورة لهم جميعاً في باريس - لدراسة اختصاصات أخرى: هندسة، طب، صيدلة، تحليل مخبري. .. وهكذا، فقد كنتَ تجد في مكتبته، وعلى رفوفها المتعددة، الكتب العربية من الأمهات مثل «الحيوان» للجاحظ وتاريخ الطبري ومعجم «أساس البلاغة» للزمخشري و«أقرب الموارد» للشرتوني.. إلخ، ومعها الكتب التركية التي كانت تطبع بالحروف العربية، والكتب الفرنسية التي حملها معه من باريس. من ذلك مثلاً موسوعة «لاروس La Rousse» بمجلداتها الضخمة وقد طبعت هناك عام 189٠، ولا شك عندي أنه اقتنيتها من مكتبة تبيع الكتب القديمة، ومثلها كثير في العاصمة الفرنسية، ومن تلك الكتب التي لفتت نظري، معجم إنكليزي - فرنسي، فرنسي - إنكليزي، لابد أنه حصل عليه من المكتبة المذكورة، وهو لا يزال بين يدي، إنه مطبوع في باريس عام 1881، وفي الزاوية العليا من الصفحة التي تلي الغلاف كتب مقتنيه الأول اسمه وتاريخ شرائه: «البير فييو - 1881» ثم شطب اسم هذا الرجل بقلم رصاصي وكتب اسم: «سارة بوغيز 1900». أما الكتب الأخرى في مكتبتي، فما زلت أجمعها شراء وإهداء منذ أكثر من خمسين سنة، وهي مرتبة حسب الأجناس الأدبية والمعرفية على رفوف المكتبات التي ضاق بها منزلي، والتي تساعدني زوجتي بين وقت وآخر في ترتيبها. على كل حال، فإن من أطرف ما قرأت، على الصفحة الأولى من بعض كتب الوالد، ما قرأته في كتاب «مقامات الحريري» مع شرحها، فقد ذكر مقتنيه ما يلي: «كيف أقول ملكي، والملك لله الواحد القهار؟ قرأ في هذا الكتاب النفيس محمد أمين الأصيل بن المرحوم السيد سليم الأصيل، غفر الله له ولوالديه، آمين» وبجانب توقيع هذا الرجل، كان هذا التاريخ 1307، ولم يكن من أبي إلا أن أضاف اسمه بالطريقة ذاتها ووضع هذا التاريخ: عام 1921. ثم.. ماذا بعد؟ مهما يكن من أمر، فلا شك عندي أن أولادي - بعد أن يقضي الله أمره - سيعنون بمكتبتي هذه، علماً أن لهم الحق في إهدائها إلى مكتبة عامة، كالمكتبة الظاهرية، أو.. مكتبة الأسد. *** عبــــد الكريـــم الناعـــم: ســــأورط أبنائـــي بهـــا الشاعر والأديب الناعم يفاجأ بالسؤال حين طرحناه عليه ولكنه يقول: مكتبتي تتوزع ما بين الموسيقا (كاسيتات وسيديات والكتب) لدي تسجيل لـ/200/ عزف منفرد، عزف على الرباب وغيرها، تسجيلات للغناء الريفي والموسيقا الكلاسيكية والتركية. ويضيف: تساءلت عن مصيرها أكثر من مرة لاسيما أنني سمعت أن المركز الثقافي في حمص أهديت إليه مكتبات لم يهتم بها إطلاقاً، ربما أقدم لكلية الآداب في جامعة البعث بعض الكتب النقدية إذا لم تكن موجودة لديهم وربما أورط أولادي بها.. سأخصص لكل واحد منهم قسماً منها، أما الكتب الموسيقية فسوف أهديها لابنتي (سراب) شرط ألا تمنع عن أخواتها نسخ شريط أو (C.D). *** إحســــان هنـــدي:أهديت جـزءاً كبيـراً منهـا نشأت على حب الكتب منذ نعومة أظفاري وكان هذا بفضل والديّ فلقد كان هذان الوالدان أميين ولكنهما حرصا عند بناء منزلنا العائلي في مدينة حماه على ترك تجويفين واسعين مع عدة رفوف فيهما كانا يطلقان عليهما تسمية »الكتبية«! ولقد حرصا على وضع نسخ من القرآن الكريم و «مولد النبي» و «دلائل الخيرات» وبعض السير الشعبية لإملاء بعض الرفوف في الكتبيتين انتظاراً لإملائهما من قبل أولادهما. ويمكن أن أكون التلميذ الوحيد الذي حرصت منذ المرحلة الابتدائية على وضع كتب كل صف أجتازه على رف من الأرفف وظللت محافظاً على هذه العادة حتى حصلت على الشهادة الثانوية عام 1949. بعد حصولي على هذه الشهادة انتسبت إلى الكلية العسكرية في حمص وبدأت أتقاضى راتباً شهرياً كنت أخصص جزءاً منه لشراء الكتب والمجلات وكنت في كل إجازة أصطحب هذه الكتب والمجلات معي وأودعها مكتبتي الشخصية في مدينة حماه. ونظراً لأني كنت أعشق السينما منذ ذلك الوقت فقد كانت أغلب مقتنياتي مجلات سينمائية بالعربية والفرنسية والانكليزية ولا يزال لدي في مدينة حماه عدد ضخم من هذه المجلات. وعندما نقلت إلى دمشق دخلت الجامعة وبدأت بتكوين مكتبة ثانية لي في منزلي الدمشقي ولكي أكون أميناً مع ذاتي أقول إنه ليست لدى أي كتب تراثية نادرة أو ذات قيمة وكل ما أقتنيته كتب حصلت عليها اهداء أو من مكتبات الأرصفة (البسطات) وهذا لا ينفي وجود بعض الكتب الثمينة لدي وخاصة من الكتب الفرنسية المطبوعة قبل 1920. بقي أمر واحد يمكنني أن أشير إليه وهو أنني سبق أن تبرعت بحوالي 2000 عنوان بين كتاب ومجلة باللغات الثلاث إلى مكتبة المركز الثقافي في مدينة حماة مع 500 عدد من مجلة العربي الكويتية المعروفة ثم تبرعت بحوالي 550 عنواناً إلى مكتبة كلية الآداب المحدثة في مدينة حماة وهي فرع من جامعة البعث في حمص. وبقي حوالي 5000 عنوان لدي بين كتاب ومجلة باللغات الثلاث ويمكن أن أهديها في المستقبل القريب إلى احدى المكتبات الحكومية العامة في سورية والله لا يضيع أجر المحسنين. *** راغدة خوري: أعيرها لصديقاتي أول مكتبة وضعها الفراعنة تحت رعاية آلهتهم كتبوا على بابها «هنا غذاء النفوس، وطب العقول». أستغرب عندما أدخل منزلاً ولا أرى فيه أي أثر لكتاب يرتمي على طاولة، أو مصنف ضمن مكتبة. وأشعر بالأسى أكثر لحظة تواجدي ضمن تلك المنازل الفخمة، والتي يتصدر غرفة الجلوس فيها مكتب من آخر طراز، يتوسطها تلفزيون ذو شاشة سينمائية، وعلى رفوفها يتفنن أهل البيت في عرض التحف الثمينة، بينما تأخذ الكتب فيها ركناً قصياً وصغيراً، ربما تواجدوا على استحياء، للزينة أيضاً وأتساءل: لماذا يسمونها مكتبة؟ ربما تكون مكتبتي صغيرة الحجم، لكن عملية برفوفها العامرة بالكتب. وبسبب انتقالي المتتالي إلى عدة منازل، وضيق المساحات، اضطررت للتخفيف من حِملها، فأعطيت الكثير من محتوياتها لأصدقاء وتوخيت أن يكونوا ممن يأخذون القراءة على محمل الجد، ويبجلون الكتاب ويعرفون قيمته. أنا لست مع القول: «غبي من يعير كتاباً، وأغبى منه من يعيده» فالكتاب الذي أستعيره يكون كالأمانة عندي، أسارع بقراءته وإعادته، ولو أني لا أحب كثيراً إعارة كتبي، فأنا أخجل من طلب استردادها، خاصة الكتب العزيزة علي، لهذا أفضل إما إهداءها، أو حتى إعطاءها. طافت الكتب بمكتبتي عدة مرات، لهذا فأنا أقدم منها أحياناً بعضاً من الهدايا لصديقات أرغمهن بذلك على إعادة عادة القراءة لحياتهن. لم تستطع المكتبة الإلكترونية بكل ما فيها من كتب قيمة أحياناً أو نادرة، أن تحل عندي مكان المكتبة العادية، ولم أشعر بمتعة القراءة على صفحة الكمبيوتر كما أشعر بها عند ملامسة الورق، وتبقى هذه القراءة آنية وبعيدة عن الحميمية. أحب مكتبتي، وأحب أكثر كركبتها، واستمتاعي كبير لحظة أجلب كتباً جديدة، وأزيح ما استطعت من محتوياتها لأضيف وأضيف من أجساد لا تلبث أن تغدو خير صديق، وأفضل جليس. *** غانـــــم ســــلمان: ســتكون فـي أيـادٍ أمينـة مكتبتي جزء من حياتي، لقد نشأت في أسرة تعنى بالكتاب على قلته آنئذ وكنا ونحن صغار نجمع ما يعطى لنا من أجل شراء الكتب التي نحب، بدأت بالكتب التراثية التي لابد من قراءتها لإثراء الثقافة، وبعد ذلك تطورت الاهتمامات ونوعت ما في مكتبتي (تاريخ، دين، فلسفة، علوم، إدارة، آداب..) وغير ذلك، أقرأ ما يقع تحت يدي وأعمل دائماً على إضافة الجديد إلى مكتبتي. أما بخصوص مصيرها فلم أفكر بذلك على الإطلاق وإن كنت أظن أنها ستبقى لأبنائي لأنهم مهتمون بالشأن الثقافي وهم أحرار في التصرف بها وأظن أنهم سيحسنون التصرف، ولذلك لا يشكل هذا الأمر هاجساً بالنسبة لي. *** أحد الباعة: نشــتري مــن كــل المحافظــات *** اشــترينا مكتبــة بنصــف مليـــون ليــــرة ...إلى أين..؟! *** ســـامي أحمـــد: مـــا نفعهــــا..؟! الشاعر والناشر سامي أحمد كون بعد سنوات مكتبة مهمة ونادرة من خلال بحثه الدائم عن القديم والمتميز من الجديد.. أعرفه منذ أكثر من 10 سنوات وأعرف أن مكتبته المنزلية ثمينة ومهمة، وحين أسأله عنها يرد قائلاً: وما مصير الكتب الآن.. ربما لأنه الناشر الذي خبر أحوال الكتاب ومواجعه في أصقاع الوطن العربي ومع ذلك تراه دائماً يبحث عن القديم والجديد، وفي إجابته شيء من الحزن والالتباس.. ما نفعها.. لكن دون أن يتركها لتكون على قارعة الطريق. *** على قارعة الطريق القائمون على عرض هذه المكتبات ولا أسميهم باعة وإن كان بعضهم أكثر من بائع بعضهم ممن يعمل في الحرفة قراءة وكتابة واقتناء وله كتب منشورة وبعضها ينتظر، تربطني بقسم كبير منهم صداقة ثم ازدادت مع الجولات اليومية ومن باب المودة يبوحون بأسرار شراء المكتبات وتفاصيل العمل. شيخ الوراقين.. صلاح صلوحة كما يسمى شيخ الوراقين يقول: أعمل في هذا المجال منذ نصف قرن وسأختصر لك مصادر الكتب بالآتي: شراء مباشر من الورثة - من جامعي القمامة، حيث يعثرون على كتب قيمة معبأة ضمن علب كرتونية وملقاة بالقرب من دور النشر التي ترغب بالتحول إلى نشاط آخر. أما عن مكتبة فيقول: لدي أكثر من 10 آلاف عنوان وأبنائي لا يحبون القراءة ولذلك لا أدري ما مصير مكتبتي. تعاون.. أحد القائمين على هذه الأرصفة لم يرضَ أن نذكر اسمه وهو معني بالكتاب قراءة واقتناء يقول: عندما نسمع بخبر بيع مكتبة ما نذهب مجموعة من العاملين في هذا المجال ونتفحص الكتب ونتفق على المبلغ ويتم فرزها فيما بعد، وقد ذهبنا إلى حلب واللاذقية.. وتصل قيمة المكتبة أحياناً إلى نصف مليون ليرة سورية، وربما نعثر على كتب مهمة جداً فيما نشتريه، وأضاف قائلاً: مكتبات مهمة جداً ذهبت خارج القطر عن طريق مهتمين بها.. أما عن مكتبته فقال: هي وصية للأبناء، وعن نشاط الرصيف في دمشق قال: إن أصحاب البسطات في المحافظات يأتون إلينا للشراء. وأخيراً.. رحلتنا لم تستوف الجميع وما أكثر من لديهم مكتبات عامرة وهم قلقون بشأنها، فلا اهداؤها إلى المراكز الثقافية ولا إلى مكتبة الأسد كان مشجعاً ولاسيما أن ثمة تجارب في هذا المجال دلت على عدم اهتمام بما قدم.. ونحن هنا لا نلوم أحداً على الاطلاق، ولكن نتمنى أن يتم اقتناء الكتب غير المتوفرة في المراكز والمكتبات، أو اختيار ما هو مناسب شراء أو إهداء والاهتمام به. وإذا ما سألني أحد ما عن مكتبتي فماذا سأقول: ربما تجاوزت الآن عشرة آلاف كتاب شراء واهداء ومن باب المزاح يقول لي ابني: اختر أجمل الأرصفة في دمشق لأبيعها هناك، ربما لن يجد إذا طال العمر بي من يشتري كتاباً مهما كان قيماً وجيداً. أما الكتب المشتراة من الأرصفة والمزينة بإهداءات مؤلفيها إلى أصدقائهم فربما لها حديث آخر - طبعاً في مكتبتي - وقد نافت عن الـ 500 كتاب ما بين المتميز والوسط.. وقد أصبح عبئاً يثقل كاهلي مع أني دفعت ثمنها ولكن هل سأبقى مهموماً بها أكثر من أصحابها.. لا أظن لعلها تعود إلى الرصيف ثانية وهذه المرة دون قيمة. |
|