|
اقتصاديات لكن الإشكالية الكبرى تكمن في إيجاد صيغة توفيقية بين اقتصاد السوق الاجتماعي من جهة ورفع الدعم من جهة أخرى, ولعلي أعيد صوغ المسألة على نحو آخر, إشكالية كيفية تدوير مثلث من ثلاثة رؤوس في الجانب الاجتماعي في اقتصاد السوق: إلغاء الدعم, مساعدة الضعفاء اقتصادياً وتخفيض الأعباء الضريبية من أجل جذب الاستثمارات, ومع أن كثيرين من الاقتصاديين متفقون حول أن نقص الاستثمار في سورية ليس بسبب العبء الضريبي وإنما بسبب الفساد الإداري ومحاولة بعض الأشباح مشاركة المستثمرين أرباحهم وأحياناً حتى رؤوس أموالهم ولهذا يرون (الاقتصاديون) أن تحسين مؤشرات المناخ الاستثماري: الشفافية في التعامل, تسهيل المعاملات من دون وساطات, تخفيف الروتين والحد من تعدد الموافقات (الحواجز) وتفعيل النافذة الواحدة وحسن استقبال المستثمرين ونشر ثقافة أنهم يسهمون في بناء الاقتصاد الوطني ويزيدون في الناتج وفرص العمل وليس أنهم مستغلون (بكسر اللام) ليس همهم سوى جني الأرباح وتراكم الأموال ومن ثم إخراجها إلى المصارف الأجنبية, وبالتالي التعامل معهم على أنهم فاعلون ضروريون للنهوض بالتنمية الاقتصادية كفيل بجذب الاستثمارات والتسريع في النمو أكثر بكثير من الإعفاء الضريبي أو تخفيض معدلات الضريبة إن مضاعفة حجوم الاستثمار في السنتين الأخيرتين, بالرغم من أن تخفيض معدلات الضريبة. لم يكن قد أعلن, تؤكد صحة هذا الرأي. ذلك أن انتشار الفساد يسهل كثيراً من التهرب الضريبي, ولكن رجال الأعمال المحترمين لا يلجؤون إلى الرشوة بل يجرون حسابات الجدوى الاقتصادية لمشروعاتهم على أساس معدلات الضريبة المقررة في القانون, في اجتماع للدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1999 اتخذت توصية بالطلب إلى الدول الأعضاء سن قوانين تعاقب مديري الشركات, الذين يلجؤون إلى الرشوة للحصول على عقود, بالسجن والغرامة معاً. ذلك أن الشركات المحترمة تتقيد بالشفافية وتفعيل المنافسة وبالتالي كادت تخرج من المعاملات مع دول العالم الثالث بسبب الفساد في سوق الأعمال يصح- قانون غريشام-: العملة الردئية تطرد العملة الجيدة من التداول, في العالم الثالث حيث يسود الفساد وتنتشر الرشوة يصعب على رجال الأعمال الجادين (العملة الجيدة) إقامة مشروعاتهم لأنهم يأبون مخالفة القانون ويخلون مواقعهم للفهلويين (الفهلوي هو من يعرف كيف تؤكل الكتف) المستعدين دائماً لتقاسم الغنائم من تحت الطاولة (العملة الرديئة) وهؤلاء الفهلويون لا يشكلون طبقة رجال أعمال قادرين على النهوض بالتنمية الاقتصادية لأن همهم هو اقتناص الفرص وجمع الأموال وليس بناء المشروعات التي تنهض بالاقتصاد الوطني. لقد حصد المجتمع السوري نتائج غير مريحة لفئات كثيرة من الشعب منذ العام 2006 أي منذ بدء تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة التي عدت بمثابة استراتيجية تنفيذ الإصلاح الاقتصادي على قاعدة السير في اقتصاد السوق الاجتماعي. فعلى الرغم من تحقيق معدلات نمو مقبولة تجاوز معدل التضخم رقماً من منزلتين, حسب معظم التقديرات وارتفعت أسعار التجزئة بأكثر من 20% أي ساء توزيع الناتج في غير مصلحة الضعفاء اقتصادياً. في ذات الوقت تطرح الإدارة الاقتصادية بحزم موضوع رفع الدعم (بمعنى إزالته وليس زيادته) وخاصة عن المشتقات النفطية التي تشكل حوالي 30% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي يمهد بعض أعضاء الفريق الاقتصادي لمسألة رفع الدعم بالكثير من تكرار أن خزينة الدولة تتحمل أعباء دعم المشتقات النفطية لوحدها بما يصل إلى 250 مليار ليرة سورية, منها حوالى 20% أي 50 مليار ليرة تذهب بطريق التهريب إلى غير السوريين في الدول المجاورة. غير أن الفريق الحكومي الاقتصادي يحاول في تصريحاته التخفيف من وقع مسألة رفع الدعم بالتأكيد أن التوجه هو التخفيف من عبء الدعم الذي تتحمله الخزينة وليس إلغاؤه, وذلك بقصر الاستفادة من الدعم على مستحقيه من الفئات الضعيفة اقتصادياً. لا ندري كيف سيكون قصر تقديم الدعم على مستحقيه فعلاً, ولكن قد يتم ذلك بإلغاء الدعم كلياً والتعويض على الأسر ذات الدخل المتدني نقداً أو بإعطائهم قسائم تموينية للحصول على متطلباتهم من المشتقات بأسعار مخفضة كما كان عليه الحال بالنسبة لبعض المواد سابقاً, وفي ذلك منطق سياسي اقتصادي اجتماعي. ولكن قبل اتخاذ القرار يجب تعرف كيفية التنفيذ حتى لا نقع في المحظور. في الكثير من الدول المتقدمة تقدم الدولة مساعدات إلى الأسر ذات الدخول الضعيفة سواء بالإعفاء الكلي من الضرائب أو بتقديم إعانات نقدية لهم أو بتقديم السكن بأجور مخفضة الخ. ولكن الأجهزة الإدارية في هذه الدول قادرة على تعرف هذه الأسر وإحصائها وتقدير التكاليف التي تقع على عاتق الخزينة جراء ذلك وترصد لها الاعتمادات في موازناتها, على حساب الضرائب التي تجنيها من الأغنياء أصحاب الدخول العالية. في الدول الاسكندينافية تتجاوز حصيلة الضرائب ال 50 % من الناتج المحلي الإجمالي بينما عندنا لم تبلغ في أي من السنوات 15% والمطلوب توضيح كيف ندور المثلث إذا (نحوله إلى دائرة) واستباقاً نشير إلى أن الدول المتقدمة التي قررت مساعدة الضعفاء اقتصادياً ميزت بين الأسر ذات المصدر الوحيد للدخل وبين تلك التي تحصل على مصادر مختلفة. ونحن منذ عام 1961 أصدرنا قانون الضريبة على مجمل الدخل ولم نستطع حتى الآن تطبيقه, لعدم قدرتنا أو لعدم رغبتنا كشف مصادر دخول المكلفين. وبالتعويض الذي قررناه بدل رفع أسعار المحروقات لم يتم التمييز بين الأسر أحادية الدخل (الزوج أو الزوجة) وفي بعض الأسر يعمل أكثر من أربعة أشخاص ويتقاضى كل منهم تعويض محروقات!! وكلهم يقطنون في منزل واحد تكلفة تدفئته كغيره من المنازل. بعض الاقتصادين الآكاديميين وبعض أنصار الالتزامات الاجتماعية حذروا من الإقدام على خطوة الغاء الدعم وقدموا حججاًمنطقية ولكنها ليست كافية برأينا لتبرير الاستمرار بخرق مفاعيل قوانين اقتصاد السوق الموضوعية في بلد اختار السير باتجاه اقتصاد السوق الاجتماعي. ذلك أن الأمر يحتاج إلى معالجة عقلانية, فهل هناك حلول أخرى! وللبحث صلة. |
|