تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نصُب الساحة أيضاً

إضاءات
الثلاثاء 11-9-2018
سعد القاسم

توقعت أن تثير زاوية الأسبوع الماضي حول نصُب ساحة الأمويين، أو ما يعرف بـ (السيف الدمشقي) ردود فعل حارة، كما هي العادة عندما يتعلق الأمر بإعادة النظر في معلومة مُسلمٍ بها،

لكني لم أتوقع أن تبلغ ردود الفعل ذلك المستوى الراقي الذي بلغته، بحيث تحولت إلى ما يشبه الندوة الحوارية، أو ورشة عمل بحثية شاركت فيها أسماء مرموقة في مجال الثقافة والعمارة والفن التشكيلي، أمثال: السيد نبيل الحموي، والمهندس العريق وليد الشهابي، والسينوغراف المخضرم علي الحامض، ومهندس الديكور د. سمير أبو زينة، والفنانون التشكيليون: عبده أبو حمزة، د. عبد الله أسعد، رولا بريجاوي، وتيسير الطلب.‏

ثمة ما يشبه الإجماع على أن النصُب أقيم لأجل معرض دمشق الدولي، وهناك من يقول إنه أقيم كصرح تذكاري للوحدة بين سورية ومصر، ففي البداية كان اسمه (نصُب الوحدة)، كما يذكر الباحث والمؤرخ عماد أرمشي، والذي يضيف أن خصوم الوحدة أطلقوا عليه تسمية ساخرة!. وبطبيعة الحال لم يعد اسم (نصُب الوحدة) متداولاً بعد وقوع الانفصال، واستمر النصُب دون تسمية حتى عام 1973 حين وصفه الخيال الشعبي بالسيف، لاعتقادٍ بأن ارتفاعه قد حال دون تمكن الطائرات الصهيونية من إصابة مبنى الإذاعة والتلفزيون. فيما يذكر المهندس وليد الشهابي أنه هو من اقترح إطلاق اسم (السيف الدمشقي) على النصُب حين كان مسؤولاً عن تأهيله بصفته مديراً للتخطيط في مشروع المسرح القومي (دار الأوبرا) عام 2000، أي بعد أربعين سنة من تشييد النصُب وقد استند المهندس الشهابي في اقتراحه إلى الشبه بين الشكل المعماري للنصُب، وبين جلسة السيف (الواقية) - وهي القطعة المعدنية المعترضة التي تفصل بين قبضة السيف ونصله، لتحمي يد حامله - ومن المؤكد أن الشبه الذي رآه المهندس الشهابي هو حقيقي، لكنه لا يؤكد أن المصمم قد انطلق منه في تصميم النصُب. إذ يذكر الدكتور عفيف البهنسي أن منطلق التصميم هو الترس الدائري رمز النهضة الصناعية، وقد استوحي من المفاهيم والعناصر المعمارية للمعمار البرازيلي الشهير (أوسكار نيماير)، فيما يؤكد الدكتور غازي الخالدي، في نص بخط يده موجود لدي أن من قام بتصميم النصب هو النحات المصري المعروف صلاح عبد الكريم الذي كان قد حضر من القاهرة للمساهمة في تصميم ديكورات وتزيين معرض دمشق الدولي. وفي حين لم يذكر الدكتور البهنسي اسم المصمم فإن روايته تلتقي مع رواية الدكتور الخالدي عند التأثير البرازيلي، ذلك أن صلاح عبد الكريم قد حصل علي ميدالية الشرف الدولية لفن النحت من (بينالي ساوباولو) في البرازيل أواخر الخمسينات، وهي الفترة التي شهدت تألق (اوسكار نيماير). وقد قام د. سمير أبو زينة والفنان عبده أبو حمزة من كلية الفنون الجميلة بدعم هذا الرأي عبر نشر صورٍ لبعض أعمال (نيماير) بدا فيها جلياً الشبه بين تصاميمه المعمارية، وبين نصُب ساحة الأمويين. وفي جهة ثانية أكد السينوغراف علي الحامض أن التصميم هو للنحات المصري صلاح عبد الكريم، أحضره منه المهندس المعلم رضا مرتضى المشرف على عمارة وتجميل معرض دمشق الدولي، وذكر الحامض أنه رأى التصميم بنفسه في أرشيف الراحل الكبير. ثم ذكرت الفنانة التشكيلية رولا بريجاوي أنه في الفيلم الذي أنجزه المخرج الراحل نبيل المالح عن السيد رضا مرتضى حديث عن الأمر، وقد تفضل المونتير القدير محمد علي المالح بتزويدي بنسخة من هذا الفيلم البالغ الأهمية، وفي واقع الأمر أن المرحوم مرتضى لم يشر في حديثه إلى النصُب في حين أنه تحدث بالتفصيل عن عمله في تشييد الجناح السوري بالمعرض، وفي إنجاز قوس المعرض المعدني الشهير الذي كان قائماً في شارع الرئيس شكري القوتلي، والإشارة الوحيدة في الفيلم جاءت على لسان د. مازن العظم، الذي قال إن فكرة النُصب كانت للمرحوم مرتضى، دون تفاصيل أوفى.‏

لا تعزز الغاية التي أقيم من أجلها النصُب، كواجهةٍ لمعرض صناعي واقتصادي، وحدها، فكرة أن التصميم لم ينطلق من السيف، وإنما يعززها أيضاً الزمن الذي أُنجز فيه، فقد شُيّد بعد وقت قليل من إعلان الرئيس جمال عبد الناصر عن الوحدة بين سورية ومصر، قائلاً: (لقد قامت دولة كبرى في هذا الشرق ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمى ولا تهدد.. تؤكد العدل، تدعم السلام..)‏

وليس من المنطقي بعد ذلك أن تختار هذه الدولة السيف لنصُبٍ يحتفل بقيامها، أو يحتفل بمعرض اقتصادي وفني يهدف لتعزيز علاقاتها مع دول العالم وشعوبه.‏

في الحوار ذاته أضاف المهندس الشهابي معلومة من المهندس علي الحمصي بأن الاسمنت الذي استخدم في إنشاء النصُب كان مصدره شركة اسمنت دمر، وقد تم تقديمه لمديرية المعرض كنوعٍ من الدعاية للشركة ومُنتجها. كما أكد أن ارتفاع النصُب يبلغ أربعين متراً، استناداً إلى المخطط الذي أضافه للحوار، والذي رُسم في العام ٢٠٠٠ لتصميم السقالة التي أحاطت بالنصُب أثناء عملية التأهيل.‏

وكل ما سبق يؤكد ضرورة الإشارة بشكل واضح إلى اسم المصمم على كل صروح العمارة المهمة في بلدنا، حتى لا تقع الأجيال القادمة بإشكال مشابه، وحتى لا تضيع أسماء المعماريين السوريين الكبار أمثال: نزار الفرا، وعبد الرزاق ملص، وبرهان طيارة.. وسواهم.‏

www.facebook.com/saad.alkassem

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية